* وبعد الحديث عن المجرمين يأتي الحديث عن المؤمنين المتقين، الذين استقاموا على شريعة الله ودينه، فأكرمهم الله بالأمن والأمان في دار الجنان، مع النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين.
* ثم تحدثت السورة عن الآيات الكونية المعروضة للأنظار، في هذا الكون الفسيح، الزاخر بالحكم والعجائب، وموقف الملحدين بآيات الله، المتعامين عن كل تلك الآيات الظاهرة الباهرة.
* وختمت السورة بوعد الله للبشرية، بأن يطلعهم على بعض أسرار هذا الكون في آخر الزمان، ليستدلوا على صدق ما أخبر عنه القرآن [ سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق، أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ].
التسمية : سميت " سورة فصلت " لأن الله تعالى فصل فيها الآيات، ووضح فيها الدلائل على قدرته ووحدانيته، وأقام البراهين القاطعة على وجوده وعظمته، وخلقه لهذا الكون البديع، الذي ينطق بجلال الله وعظيم سلطانه !! (١)
سورة فصلت مكية - آياتها أربع وخمسون وتسمى حم السجدة مقصودها الإعلام بأن العلم إنما هو ما اختاره المحيط بكل شيء قدره وعلماً من علمه لعباده فشرعه، لهم، فجاءتهم به عنه رسله، وذلك العلم هو الحامل على الإيمان بالله والاستقامة على طاعته المقترن بهما - كما تقدم في الزمر في قوله ) ) هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ( ) [ آية : ٩ ] فتكون عاقبته الكشف الكلي حين يكون سبحانه سمع العالم الذي يسمع به، ( بصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ) - إلى آخر الحديث القدسي الذي معناه أنه يوفقه سبحانه فلا يفعل إلا ما يرضيه، وعلى ذلك دل اسمها ) فصلت ( بالإشارة إلى ما في الآية المذكورة فيها هذه الكلمة من الكتاب المفصل لقوم يعلمون.
والسجدة بالإشارة إلى ما في آيتها من الطاعة له بالسجود الذي هو أقرب مقرب من الملك الديان، والتسبيح الذي هو المدخل الأول للإيمان (٢)
قضية العقيدة بحقائقها الأساسية هي التي تعالجها هذه السورة.. الألوهية الواحدة. والحياة الآخرة. والوحي بالرسالة. يضاف إليها طريقة الدعوة إلى اللّه وخلق الداعية.
وكل ما في السورة هو شرح لهذه الحقائق، واستدلال عليها. وعرض لآيات اللّه في الأنفس والآفاق، وتحذير من التكذيب بها، وتذكير بمصارع المكذبين في الأجيال السابقة، وعرض لمشاهد المكذبين يوم القيامة. وبيان أن المكذبين من الجن والإنس هم وحدهم الذين لا يسلمون بهذه الحقائق ولا يستسلمون

(١) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ١٦٠)
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٦ / ٥٤٧)


الصفحة التالية
Icon