سورة النساء
وهي مدنية تحتوي من المنسوخ على أربع وعشرين آية.
الآية الأولى: قوله تعالى: (لِلرِّجالِ نَصيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَالأَقربونَ).
إلى قوله: (قَولاً مَعروفاً).
نزلت في أم كجة الأنصارية وفي ابنتيها وابني عمها.
وذلك: أن بعلها مات وخلف مالاً، فأخذه ابنا أخيه ولم يعطوا البنات منه شيئا، وكان ذلك سنتهم في الجاهلية، فجاءت أمهما تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية.
ثم نسخت بقوله: (يوصيكُمُ اللَهُ في أَولادِكُم): فتبين معناها، وحد القسم كما هو فيها.
الآية الثانية: قوله تعالى: (وَإِذا حَضَرَ القِسمَةَ أولوا القُربى وَاليًتامى وَالمَساكينُ فَاِرزُقوهُم مِنهُ وَقولوا لَهُم قَولاً مَعروفاً).
اختلف المفسرون في معنى ذلك: فقالت طائفة: أمروا أن يجعلوا لليتامى والمساكين شيئا من المال، يرخصون لهم ذلك.
وقال الآخرون: أمروا أن يعطوا من المال ذوي القربي، وأن يقولوا لليتامى والمساكين قولاً معروفاً.
وقالت طائفة: بل نسخها الله تعالى بأية المواريث، قوله تعالى: (يوصيكُم اللَهُ في أَولادِكُم للَّذكَرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثَيَينِ).
الآية الثالثة: قوله تعالى: (وَليَخشَ الَّذينَ لَو تَرَكوا مِن خَلفِهِم ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافوا عَلَيهُم فَليَتَّقوا اللَهَ وَليَقولوا قَولاً سَديداً).
وذلك: أن الله تعالى أمر الأوصياء بإمضاء الوصية على ما رسم الموصي ولا يغيروها.
ثم نسخها الله تعالى بالآية التي في سورة البقرة فقال جل وعلا: (فَمَن خافَ مِن موصٍ جَنَفاً أَو إِثماً) أي علم من موص جوراً وإثما (فَأَصلَحَ بَينَهُم فَلا إِثمَ عَلَيه) لا حرج على الموصى إليه: يأمر الموصي بالعدل في ذلك.
وكانت هذه الآية ناسخة لقوله تعالى: (وَليَخشَ الَّذينَ لَو تَرَكوا مِن خَلفِهِم ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافوا عَلَيهِم فَليَتَّقوا اللَه).
الآية الرابعة: قوله تعالى: (إِنَّ الَّذينَ يَأكُلونَ أَموالَ اليَتامى ظُلماً).
لما نزلت هذه الآية عزل الأنصار الأيتام، فلم يخالطوهم في شيء من أموالهم، فلحق الضرر بالأيتام، فأنزل الله تعالى: (وَيَسأَلونَكَ عَنِ اليَتامى قُل إَصلاحٌ لَهُم خَيرٌ وَإِن تُخالِطوهُم فَإِخوانُكُم). في الدين، في ركوب الدابة وشرب اللبن، لأن اللبن إذا لم يحلب والدابة إذا لم تركب لحق الضرر.
ولم يرخص في أكل الأموال ظلما، فقال الله تعالى: (وَمَن كانَ غَنيّاً فَليَستَعفِف) عن الأكل من مال اليتيم (وَمَن كانَ فَقيراً فَليَأكُل بِالمَعروفِ) النساء: ههنا القرض، فإن أيسر رد، وإن مات وليس بموسر فلا شيء عليه. فصارت هذه ناسخة لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذينَ يَأكُلونَ أَموالَ اليَتامى ظلماً).
الآية الخامسة: قوله تعالى: (وَاللاتي يَأتينَ الفاحِشَةَ مِن نِسائكُم فَاِستَشهِدوا عَلَيهِنَّ أَربَعَةً مِنكُم) إلى قوله: (أَو يَجعَلَ اللَهُ لَهُنَّ سَبيلاً). كان الرجل والمرأة في بدء الإسلام إذا زنيا حبسا في بيت، فلا يخرجان منه حتى يموتا.
وهذه الآية نسخت بالسنة لا بالكتاب. وكنى الله فيها بذكر النساء عن النساء والرجال، فخرج النبي ﷺ يوما على أصحابه فقال: (خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر مائة جلدة وتغريب عام. والثيب بالثيب الرجم).
فصارت هذه السنة ناسخة لتلك الآية.
الآية السادسة: قوله تعالى: (وَاللَّذانِ يَأتِيانِها مِنكُم فَآذوهُما).
كان البكران إذا زنيا عيرا وشتما، فجاءت الآية التي في سورة النور وهي: (الزانِيَةُ وَالزاني فَاِجلِدوا كُلَّ واحِدٍ مِنهُما مائَةَ جَلدَة) فهذا منسوخ بالكتاب.
وعلى هذه الآية معارضة، لقائل يقول: كيف بدأ الله سبحانه وتعالى بالمرأة قبل الرجل في الزنا، وبالرجل قبل المرأة في السرقة؟ والجواب عن ذلك: أن فعل الرجل في السرقة أقوى، وحيلته فيها أغلب. وفعل المرأة في الزنا أقوى، وحيلتها فيه أسبق. لأنها تحتوي على إثم الفعل وإثم المواطأة.
الآية السابعة: قوله تعالى: (إِنَّما التَوبَةُ عَلى اللَه للَّذينَ يَعمَلونَ السُوءَ بِجهالَةٍ ثُمَّ يُتوبونَ مِن قريبٍ).