فإن كانت المرأة الكتابية عاهرة لم يجز نكاحها، وإن كانت عفيفة جاز. ثم شرط مع الإباحة عدتهن، فإن كن عواهر لم يجز.
الآية الثالثة والعشرون: قوله تعالى: (وَالمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُروءٍ).
أجمع الناس على إحكام أولها وإحكام آخرها إلا كلاما في وسطها.
وذلك: أن الله تعالى جعل عدة المطلقة ثلاثة قروء إذا كانت ممن تحيض، وإن كانت آيسة من الحيض فثلاثة أشهر، وإن كانت ممن لم تحض فمثل ذلك، والحوامل وضع حملهن، فجميع ذلك محكم. وذلك قوله تعالى: (وَبِعولتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذلِك).
وذلك: أن الرجل كان يطلق المرأة وهي حاملة، وكان يخير في مراجعتها ما لم تضع، فنزلت في رجل من غفار من أشجع، يعرف بإسماعيل بن عبد الله، حنق على امرأته فطلقها وهي حامل، ثم لم يبطل حكمها باطل كما حكم المنسوخ، فكان أحق برجعتها ما لم تضع.
يقال: إنها لم تضع حتى نسخت، فنسختها الآية التي تليها وبعض الثالثة، وهو قوله تعالى (الطَلاقُ مَرَّتانِ).
فإن قال قائل: وأين الثالثة؟ قيل: قوله تعالى: (فَإِمساكٌ بِمَعروفٍ أَو تَسريحٌ بِإِحسانٍ) البقرة:. يروى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي قوله تعالى: (فَإِن طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعدُ حَتّى تَنكِحَ زَوجاً غَيرَهُ).
الآية الرابعة والعشرون: قوله تعالى: (وَلا يَحِلُّ لَكُم أَن تَأخُذوا مِمّا آتَيتُموهُنَّ شَيئاً).
ثم استثنى بقوله تعالى: (إِلّا أَن يَخافا) يعني: يعلما (أَن لا يُقيما حُدود اللَه) وهو أن تقول المرأة: والله لا أطأ لك مضجعاً، ولا أغتسل لك من الجنابة، ولا أطيع لك أمرا. فإذا قالت ذلك فقد أحل الله له الفدية، ولا يجوز له أن يأخذ أكثر مما ساق إليها من الهر، فصارت هذه الآية ناسخة لحكمها بالاستثناء.
الآية الخامسة والعشرون: قوله تعالى: (وَالوالِداتُ يُرضِعنَ أَولادَهُنَّ حَولَين كامِلَين).
نسخ الحولين في قوله: (فَإِن أَرادَ فَصالاً عَن تَراضٍ مِنهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيهُما).
فصارت هذه الآية ناسخة للحولين الكاملين بالاتفاق.
الآية السادسة والعشرون: قوله تعالى: (وَالَّذينَ يُتَوَفّونَ مِنكُم وَيَذَرونُ أَزواجاً وَصِيَّةً لأَزواجِهِم مَتاعاً إِلى الحَولِ غَيرَ إِخراجٍ).
وذلك: أن الرجل كان إذا مات عن امرأة أنفق عليها من ماله حولا، وهي في عدته ما لم تخرج، فإن خرجت انقضت العدة ولا شيء لها.
وكانوا إذا قاموا بعد الميت حولا عمدت المرأة إلى بعرة ألقتها في وجه كلب، تخرج بد ذلك من عدتها عندهم. فنسخ الله تعالى ذلك بالآية التي قبلها في النظم، وهي قوله تعالى: (وَالَّذينَ يُتَوَفَّونَ مِنكُم وَيَذَرونَ أَزواجاً يَتَرَبَّصنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَربَعَةَ أَشهُرٍ وَعَشراً) فصارت الأربعة أشهر والعشر ناسخة للحول.
وليس في كتاب الله تعالى آية ناسخة والمنسوخ قبلها إلا هذه الآية، وآية أخرى في سورة الأحزاب، وهي قوله تعالى: (لا تَحِلُّ لَكَ النِساءُ مِن بَعدُ) نسختها الآية التي قبلها: (يا أَيُّها النَبِيُّ إِنّا أَحلَلنا لَكَ أَزواجَكَ) الآية هذه الناسخة، والمنسوخة (لا تَحِلَّ لَكَ النِساءُ مِن بَعدُ).
ونسخ النفقة بالربع والثمن، فقال: (الَّذينَ يُتَوَفَّونَ مِنكُم) إلى آخر الآية.
الآية السابعة والعشرون: قوله تعالى: (لا إِكراهَ في الَّدين). جميعها محكم غير أولها، نسخها الله تعالى بآية السيف.
وذلك: أن رسول الله ﷺ لما أخلى اليهود إلى أذرعات من الشام كان لهم في الأنصار رضاع، فقال أولاد الأنصار: نخرج مع أمهاتنا أين خرجوا. فمنعهم آباؤهم، فنزلت: (لا إِكراهَ في الَّدينِ). ثم صار ذلك منسوخاً بآية السيف.
الآية الثامنة والعشرون: قوله تعالى: (وَأَشهِدوا إِذا تَبايَعتُم).
فأمر الله بالشهادة، وقد كان جماعة من التابعين يرون أنهم يشهدون في كل بيع وابتياع، فمنهم الشعبي وإبراهيم النخعي كانوا يقولون: إنا نرى أن نشهد ولو في جرزة بقل.
نسخت الشهادة بقوله: (فَإِن أَمِنَ بَعضُكُم بَعضاً فَليُؤَدِّ الَّذي أُؤتُمِنَ أَمانَتَه).
الآية التاسعة والعشرون: قوله تعالى: (لِلَّهِ ما في السَماوات وَما في الأَرض).
هذا محكم.