ومعرفة الوقف والابتداء متأكد غاية التأكيد، إذ لا يتبين معنى كلام الله، ويتم على أكمل وجه إلا بذلك، فربما قارئ يقرأ ويقف قبل تمام المعنى، فلا يفهم هو ما يقرأ ومن يسمعه كذلك، ويفوت بسبب ذلك ما لأجله يقرأ كتاب الله تعالى، ولا يظهر مع ذلك وجه الإعجاز، بل ربما يُفهم من ذلك غير المعنى المراد، وهذا فساد عظيم، ولهذا اعتنى بعلمه وتعليمه، والعمل به المتقدمون والمتأخرون، وألفوا فيه من الدواوين ( ) المطولة والمتوسطة والمختصرة، ما لا يعد كثرة، ومن لا يلتفت لهذا، ويقف أين شاء، فقد خرق الإجماع، وحاد عن إتقان القراءة وتمام التجويد. ( )
وهذا الكلام من عالم صرف حياته لخدمة القرآن كالصفاقسى، له وجاهته، وهو يؤكد ما قلته آنفاً عن ارتباط الوقف والابتداء بالتفسير.
وقال السخاوى فى تأكيد ذلك أيضاً:
فى معرفة الوقف والابتداء الذى دونه العلماء تبيين معانى القرآن العظيم، وتعريف مقاصده، وإظهار فوائده، وبه يتهيأ الغوص على درره وفرائده ٠٠ وقد اختار العلماء، وأئمة القراء تبيين معانى كلام الله تعالى وجعلوا الوقف منبهاً على المعنى ومفصلاً بعضه عن بعض، وبذلك تلذ التلاوة، ويحصل الفهم والدراية، ويتضح منهاج الهداية. ( )
من الآثار الدالة على وجوب معرفة الوقف والابتداء:
١- حديث الخطيب الذى خطب بين يدى النبى - ﷺ - قائلاً: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما. ثم وقف على "يعصهما " ثم قال فقد غوى. هنا قال له النبى -صلى الله عليه وسلم -: "بئس الخطيب أنت " ( )
وقد قال له النبى - ﷺ - ذلك لقبح لفظه فى وقفه، إذ خلط الإيمان بالكفر فى إيجاب الرشد لهما، وكان حقه أن يقول واصلاً: ومن يعصهما فقد غوى. أو يقف على "فقد رشد " ثم يستأنف بعد ذلك " ومن يعصهما.. الخ " فهذا دليل واضح على وجوب مراعاة محل الوقف.