وجعل فيه كفارة، ولم يجعله طلاقا كما كانوا يعتمدونه في جاهليتهم، هكذا قال غير واحد من السلف١.
إن هذه العقوبة الجاهلية قائمة على غير أصل، فلذا وصفت بأنها زور ومنكر، وإن وقعها على المرأة لعظيم، وصدر سورة المجادلة يدل على ذلك، من كون المرأة جاءت إلى النبي ﷺ تشتكي وتعرض قضيتها عليه وتحاور الرسول ﷺ في شأنها وزوجها.
تقول عائشة رضي الله عنها: "الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات لقد جاءت المجادلة إلى النبي ﷺ تكلمه وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عزوجل: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا... ﴾ المجادلة: ١٢.
٤- الإضرار بها في الإحداد:
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ البقرة: ٢٣٤.
ثبت في الصحيحين من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ فقالت: يارسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، أفتكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا"، مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك يقول: "لا"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول".
قال حميد: فقلت لزينب: وما ترمى بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا٣ ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا، حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طائر- فتفتض٤ به فقلما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها. ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره.
٢ رواه أحمد في المسند ٦/٤٦ وأخرجه البخاري في كتاب التوحيد تعليقاً ١٣/٣٧٢.
٣ الحفش: بكسر المهملة وسكون الفاء هو البيت الصغير الذليل الحقير.
٤ فتفتض به: فسره مالك كما في آخر الحديث، وقال ابن حجر: وأصل الفض: الكسر أي تكسر ما كانت فيه وتخرج منه بما تفعله بالدابة، فتح الباري (٩/٤٩٠).