قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى: ﴿وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾ رغبة أحدكم عن يتيمته إذا كانت قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من النساء إلا بالقسط، من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال١.
وأخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: هو الرجل تكون عنده اليتيمة، هو وليها ووارثها، فأشركته في ماله، حتى في العذق، فيرغب أن ينكحها، ويكره أن يزوجها رجلا، فيشركه في ماله بما شركته، فيعضلها، فنزلت الآية٢، وهو في مسلم أيضاً.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في معنى الآية قال: كان الرجل في الجاهلية تكون عنده اليتيمة فيلقي عليها ثوبه، فإذا فعل ذلك لم يقدر أحد أن يتزوجها أبداً، فإن كانت جميلة، وهويها تزوجها، وأكل مالها، وإن كانت دميمة منعها الرجال أبداً حتى تموت، فإذا ماتت ورثها، فحرم الله ذلك ونهى عنه٣.
قال ابن كثير: والمقصود: أن الرجل إذا كان في حجره يتيمة يحل تزويجها، فتارة يرغب في أن يتزوجها، فأمره الله أن يمهرها أسوة بأمثالها من النساء، فإن لم يفعل، فليعدل إلى غيرها من النساء، فقد وسع الله عز وجل، وهذا المعنى في الآية الأولى في أول السورة، وتارة لا يكون له فيها رغبة لدمامتها عنده، أو في نفس الأمر، فنهاه الله عز وجل أن يعضلها عن الأزواج خشية أن يشركوه في ماله الذي بينه وبينها٤.
٢- وراثتها على سبيل الإكراه والإضرار بها:
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً... ﴾ النساء: ١٩.
وسبب النزول كاف في بيان نوعية هذا الإكراه:
أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً﴾، قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق

١ صحيح البخاري مع فتح الباري (٨/٢٣٩) ٠ الطبعة السلفية.
٢ صحيح البخاري مع فتح الباري (٨/٢٦٥)، ومسلم في التفسير رقم ٩.
٣ تفسير القرآن العظيم (٢/ ٤٠٥). ط دار الفكر.
٤ تفسير القرآن العظيم (٢/ ٤٠٥). ط د ار الفكر.


الصفحة التالية
Icon