من كل عدو يؤذيه باليد واللسان) ١ ومع هذا أمر المسلمون بالعفو والصفح عنهم والصبر على ما يلاقونه من أهل الظلم والطغيان حتى يفتح الله بينهم جميعا وهو خير الفاتحين.
أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره بسنده عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: "كان رسول الله ﷺ وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله، ويصبرون على الأذى، قال الله تعالى: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ إِنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ البقرة ١٠٩. وكان رسوله الله ﷺ يتأول في العفو ما أمره الله به حتى أذن الله فيهم بقتل فقتل الله به من قتل من صناديد قريش" ٢ إن هذه الأساليب الماكرة، والصادرة من الكثرة أو القلة أو الطائفة من أهل الكتاب عائدة نتائجها على أصحابها، إنهم يمكرون بغيرهم، وهم ممكور بهم ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ إنهم حاولوا إضلال المسلمين مجاهرة لكنهم لم يستطيعوا فحاولوا إضلالهم بالمخادعة ليلبسوا على الضعفاء من المسلمين أمر دينهم فاشتوروا ورأوا أن يؤمنوا أول النهار بما أنزل على محمد ﷺ ويكفروا آخره حتى يزعزعوا الثقة في قلوب المسلمين ويوقعوا الإرجاف في صفوفهم ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِباً﴾ الكهف هـ.
يقول ابن كثير "هذه مكيدة أرادوها ليلبسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم وهو أنهم اشتوروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار، ويصلوا مع المسلمين صلاة الصبح فإذا جاء آخر النهار ارتدوا إلى دينهم ليقول الجهلة من الناس إنما ردهم إلى دينهم اطلاعهم على نقيصة وعيب في دين المسلمين ولهذا قالوا: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ ٣.
وذكر نحو هذا عن ابن عباس، ومجاهد وقتادة والسدى والربيع وأبي مالك.
كما عقدوا العزم، وتواصوا بالباطل ألا يكشفوا أسرارهم ويطمئنوا إليه إلا لمن تبع دينهم وسلك طريقهم ووقع في ضلالهم خوفا من إقامة الحجة عليهم بما عندهم، وكفرا بالآيات البينات الواضحات وحسدا من عند أنفسهم أن يمتاز عليهم غيرهم.
٢ تفسير ابن أبي حاتم ١/٣٣٣ تحقيق الزهراني وقال ابن كثير معقباً عليه: "وهذا اسناد صحيح ولم أره في شيء من الكتب الستة، ولكن له أصل في الصحيحين عن أسامة به زيد" تفسير القران العظيم ١/٢٦٩.
٣ تفسير القرآن العظيم ٢/٥٦، ٥٧. ط دار الفكر.