وقد أوجز ذلك القرطبي رحمه الله في تفسيره، فقال :" البيان منه ﷺ على ضربين : بيان لمجمل في الكتاب كبيانه للصلوات الخمس في مواقيتها وسجودها وركوعها وسائر أحكامها... وبيان آخر وهو زيادة على حكم الكتاب كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها.
ويفهم من هذا أنه ﷺ اقتصر على بيان المعاني الضرورية التي لا تحتمل التأخير، أو التي لا سبيل إلى معرفتها إلا عن طريقه، وترك ما سوى ذلك للأمة ليعملوا عقولهم في التدبر والتفكر، ويدل على ذلك ما أخرجه البخاري رحمه الله عن أبي جحيفة قال : قلت لعلي رضي الله عنه : هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله ؟ قال : والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما أعلمه إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن... " الحديث.
قال الزمخشري في الفائق : ولم يزل الموثوق بهم من علماء الأمة يستنبطون معاني التنزيل، ويستثيرون دفائنه، ويغوصون على لطائفه، وهو الحمّال ذو الوجوه، فيعود ذلك تسجيلاً له ببعد الغور، واستحكام دليل الإعجاز(١).
ومما سبق يمكن أن نوجز أوجه بيان السنة للقرآن فيما يلي :
١- إزالة اللبس :
مثال ذلك ما أخرجه الشيخان، عن ابن أبي مليكة أن النبي ﷺ قال :((من حوسب عُذّب)).
قالت عائشة رضي الله عنها : فقلت : أوليس يقول الله تعالى :((فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً)) (الانشقاق: ٨) ؟ قال :((إنما ذلك العرض، ولكن : من نوقش الحساب يهلك))(٢)
ومن الأمثلة على ذلك ما أخرجه الشيخان عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال : لما
نزلت :((حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ)) (البقرة: ١٨٧).
(٢) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب من سمع شيئاً فراجع حتى يعرفه برقم ١٠٣، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب إثبات الحساب برقم ٢٨٧٦.