فإن قيل كيف جاز للصحابة ترك الأحرف الستة التي أمر الرسول صلى الله عليه قراءة القرآن بها واقتصروا على حرف واحد؟
قيل: إنَّ أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض، وإنما كان أمر إباحة ورخصة.. وإذا كان ذلك كذلك لم يكن القوم بتركهم بقية الأحرف تاركين ما عليهم نقله، بل كان الواجب عليهم من الفعل ما يؤدون به الواجب وهو أحد هذه الأحرف فإذا حفظوه ونقلوه فقد فعلوا ما كلفوا به. (١)
وقد علَّل ابن القيم رحمه الله تعالى جمع الناس على حرف واحد، فأحسن حيث قال: "فلما خاف الصحابة رضي الله عنهم على الأمة أن يختلفوا في القرآن ورأوا أن جمعهم على حرف واحد أسلم وأبعد من وقوع الاختلاف فعلوا ذلك ومنعوا الناس من القراءة بغيره، وهذا كما لو كان للناس عدَّة طرق إلى البيت، وكان سلوكهم في تلك الطرق يوقعهم في التفرُّق والتشتيت ويطمع فيهم العدو فرأى الإمامُ جمعهم على طريق واحد، فترك بقية الطرق جاز ذلك، ولم يكن فيه إبطال لكون تلك الطرق موصلة إلى المقصود وإن كان فيه نهي عن سلوكه لمصلحة الأمة". (٢)
_________
(١) انظر تفسير ابن جرير الطبري ج١، ص٦٤، وما بعدها.
(٢) الطرق الحكمية في السياسة الشرعية: ابن القيم ص١٦.


الصفحة التالية
Icon