فقد حفظ الرسول ﷺ كل ما نزل عليه من الوحي في صدره الشريف، وليس أدل على ذلك من قوله تعالى ﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ﴾﴿ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾ (الأعلى : ٦)، وكان الرسول ﷺ يعارض جبريل بالقرآن في كل عام مرة، وفي العام الذي انتقل فيه إلى رفيقه الأعلى عارضه مرتين.
كما ثبت ذلك في صحيح البخاري وغيره عن عائشة عن فاطمة رضي الله عنهما أنها قالت: « أسَرَّ إليَّ النبيُّ ﷺ أنَّ جبريلَ كانَ يعارضُنِي بالقرآنِ كلَّ سنةٍ وأنهُ عارضَنِي العامَ مرَّتينِ ولا أراهُ إلا حضَرَ أجَلِي » (١) ".
وفي ذلك يقول الإمام أبو عمرو الداني (٢) :
وكان يعرض على جبريل... في كل عام جملة التنزيل
فكان يقريه في كل عرضة... بواحد من الحروف السبعة
حتى إذا كان بقرب الحين... عرضه عليه مرتين
(٣)
كما حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب جم غفير من الصحابة، منهم الخلفاء الراشدون: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وكذلك أبي بن كعب، وعبد الله ابن مسعود، وزيد بن ثابت وأبو الدرداء، وأبو موسى الأشعري، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم وهم الذين دارت أسانيد قراءات الأئمة العشرة عليهم (٤).
_________
(١) البخاري، فضائل القرآن: ٦ / ١٠١، المناقب، رقم: ٣٣٥٣ ن مسلم، فضائل الصحابة رقم: ٢٤٥٠، أبو داود رقم: ٥٢١٧، مسند أحمد، رقم: ٢٥٢٠٩، وراجع فضائل القرآن لأبي الفضل الرازي، ص: ٥١، البرهان للزركشي: ١ / ٢٣٢، لطائف الإشارات للقسطلاني : ١ / ٢٣.
(٢) عثمان بن سعيد بن عثمان، أبو عمرو الداني، القرطبي، علم من أعلام القراء، ثقة حجة في القراءات وعلومها، ولد بدانية من بلاد الأندلس في : ٣٧١ هـ، له أكثر من مائة مؤلف، أشهرها التيسير في القراءات السبع الذي نظمه الشاطبي في اللامية، توفي بدانية في ٤٤٤ هـ، معرفة القراء الكبار: ١ / ٤٠٦، غاية النهاية : ١ / ٥٠٣.
(٣) الأرجوزة المنبهة، البيت رقم : ٧٠-٧٢، ص: ٨٧.
(٤) انظر: الوجيز للقرطبي ص: ١٧٧، النشر: ١ / ٦، الاتقان : ١ / ٢٢٢، مناهل العرفان : ١ / ٢٤٢.