لهذه الأسباب والأحداث، رأى عثمان بثاقب رأيه، وصادق نظره، أن يتدارك الأمر، فجمع أعلام الصحابة وذوي البصر منهم، وأجال الرأي بينه وبينهم في علاج هذه الفتنة، فأجمعوا أمرهم على استنساخ مصاحف لإرسالها إلى الأمصار، فيؤمر الناس باعتمادها، والتزام القراءة بما يوافقها، وبإحراق كل ما عداها، وتعتبر تلك المصاحف العثمانية الرسمية الأساس والمرجع المعتمد لحسم الخلاف وقطع النزاع والمراء (١).
وقد نظم ذلك الإمام أبو عمرو الداني (رحمه الله ) فقال:
وولي الناسَ الرضا عثمانُ... وبايع الكل له ودانوا
فحضهم معا على الجهاد... فانبعث القوم على ميعاد
وقصدوا مصححين النية... نحو أذربيجان وإرمينيه
فاجتمع الشامي والعراقي... في ذلك الغزو على وفاق
فسمع البعض قراةَ البعض... فقابلوا قراتهم بالنقض
واختلفوا في أحرف التلاوة... حتى بدت بينهم العداوه
ووصل الأمر إلى عثمان... أخبره حذيفةٌ بالشان
وما جرى بينهم هناكا... وما رأى من أمرهم في ذاكا
وقال هذا الأمر فأدركه... فهو معضل فلا تتركه
فجمع الإمام من في الدار... من المهاجرين والأنصار
وقال: قد رأيت أمرًا فيه... مصلحة وهو ما أحكيه
_________
(١) راجع الإتقان: ١ / ١٨٧، وما بعدها، ومناهل العرفان : ١ / ٢٥٥-٢٥٧.