أحكام القرآن (الجصاص)، ج ١، ص : ١٠٥
دالة على أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قد كان يصلى إلى غير الكعبة وبعد ذلك حوله إليها وهذا يبطل قول من يقول ليس في شريعة النبي ناسخ ولا منسوخ ثم اختلف في توجه النبي صلّى اللّه عليه وسلم إلى بيت المقدس هل كان فرضا لا يجوز غيره أو كان مخيرا في توجهه إليها وإلى غيرها فقال الربيع ابن أنس كان مخيرا في ذلك وقال ابن عباس كان الفرض التوجه إليه بلا تخيير وأى الوجهين كان فقد كان التوجه فرضا لمن يفعله لأن التخيير لا يخرجه من أن يكون فرضا ككفارة اليمين أيها كفر به فهو الفرض وكفعل الصلاة في أول الوقت وأوسطه وآخره وحدثنا جعفر بن محمد اليمان قال حدثنا عبد اللّه بن صالح عن معاوية بن صالح عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس قال أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة وذلك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة أمره اللّه تعالى أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود بذلك فاستقبله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بضعة عشر شهرا وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يحب قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام ويدعو اللّه تعالى وينظر إلى السماء فأنزل اللّه [قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ]
الآية وذكر القصة فأخبر ابن عباس أن الفرض كان التوجه إلى بيت المقدس وأنه نسخ بهذه الآية وهذا لا دلالة فيه على قول من يقول إن الفرض كان التوجه إليه بلا تخيير ولأنه جائز أن يكون كان الفرض على وجه التخيير وورد النسخ على التخيير وقصروا على التوجه إلى الكعبة بلا تخيير وقد روى أن النفر الذين قصدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من المدينة إلى مكة للبيعة قبل الهجرة كان فيهم البراء بن معرور فتوجه بصلاته إلى الكعبة في طريقه وأبى الآخرون وقالوا إن النبي صلّى اللّه عليه وسلم يتوجه إلى بيت المقدس فلما قدموا مكة سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عن ذلك فقالوا له فقال قد كنت على قبلة
يعنى بيت المقدس لو ثبت عليها أجزك ولم يأمره باستئناف الصلاة فدل على أنهم كانوا مخيرين وإن كان اختار التوجه إلى بيت المقدس فإن قيل له جائز أن يكون المراد من القرآن المنسوخ التلاوة وجائز أن يكون قوله [سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها] وكان نزول ذلك قبل النسخ وفيه أخبار بأنهم على قبلة غيرها وجائز أن يريد أول ما نسخ من القرآن فيكون مراده الناسخ من القرآن دون المنسوخ وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة قال اللّه تعالى [وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ


الصفحة التالية
Icon