أحكام القرآن (الجصاص)، ج ١، ص : ٢٥٩
الزيادة في حكم الآية وقد بينا بطلان ذلك في مواضع وقد اختلف السلف في ذلك فروى عن ابن عباس ومعاذ بن جبل وأبى عبيدة بن الجراح وأنس بن مالك وأبى هريرة ومجاهد وطاوس وسعيد بن جبير وعطاء قالوا إن شئت قضيته متفرقا وإن شئت متتابعا وروى شريك عن أبى إسحاق عن الحرث عن على قال اقض رمضان متتابعا فإن فرقته أجزأك
وروى الحجاج عن أبى إسحاق عن الحرث عن على في قضاء رمضان قال لا يفرق
وجائز أن يكون ذلك على وجه الاستحباب وإنه إن فرق أجزأه كما رواه شريك وروى عن ابن عمر في قضاء رمضان صمه كما أفطرته وروى الأعمش عن إبراهيم قال كانوا يقولون قضاء رمضان متتابع وروى مالك عن حميد بن قيس المكي قال كنت أطوف مع مجاهد فسأله رجل عن صيام من أفطر في رمضان أيتابع قلت لا فضرب مجاهد في صدري وقال إنها في قراءة أبى متتابعات وقال عروة بن الزبير يتابع وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والأوزاعى والشافعى إن شاء تابع وإن شاء فرق وقال مالك والثوري والحسن ابن صالح يقضيه متتابعا أحب إلينا وإن فرق أجزأه فحصل من إجماع فقهاء الأمصار جواز قضائه متفرقا وقد قدمنا ذكر دلالة الآية عليه وقد روى حماد بن سلمة عن سماك ابن حرب عن هارون بن أم هانئ أو ابن بنت هانئ أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم ناولها فضل شرابه فشربت ثم قلت يا رسول اللّه إنى كنت صائمة وإنى كرهت أن أرد سؤرك فقال إن كان من قضاء رمضان فصومي يوما مكانه وإن كان تطوعا فإن شئت فاقضية وإن شئت فلا تقضيه
فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بقضاء يوم مكانه ولم يأمرها باستئناف الصوم إن كان ذلك منه فدل ذلك على معنيين أحدهما أن التتابع غير واجب والثاني أنه ليس بأفضل من التفريق لأنه لو كان أفضل منه لأرشدها النبي صلّى اللّه عليه وسلم إليه وبينه لها ومما يدل على ذلك من طريق النظر أن صوم رمضان نفسه غير متتابع وإنما هو في أيام متجاورة وليس التتابع من شرط صحته بدلالة أنه لو أفطر منه يوما لم يلزمه استقبال الصوم وجاز ما صام منه غير متتابع فإذا لم يكن أصله متتابعا فقضاؤه أحرى بأن لا يكون متتابعا ولو كان صوم رمضان متتابعا لكان إذا أفطر منه يوما لزمه التتابع ألا ترى أنه إذا أفطر يوما من الشهرين المتتابعين لزمه استئنافهما فإن قيل قد أطلق اللّه تعالى صيام كفارة اليمين غير معقود بشرط التتابع وقد شرطتم ذاك فيه وزدتم في نص الكتاب قيل له لأنه قد ثبت أنه


الصفحة التالية
Icon