أحكام القرآن (الجصاص)، ج ١، ص : ٢٦٧
الناس ومع ذلك فجائز أن يكون كلاما خرج على سبب وهو حال لزوم القتال مع العلم بالعجز عنه مع فعل الصوم فكان حكمه مقصورا على تلك الحال لمخالفة أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلم ولما يؤدى إليه من ترك الجهاد وأما قوله إن اللّه وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم وعن الحامل والمرضع فإنما يدل على أن الفرض لم يتعين عليه لحضور الشهر وأن له أن يفطر فيه ولا دلالة فيه على نفى الجواز إذا صامه كما لم ينف جواز صوم الحامل والمرضع وقال أصحابنا الصوم في السفر أفضل من الإفطار وقال مالك والثوري الصوم في السفر أحب إلينا لمن قوى عليه وقال الشافعى إن صام في السفر أجزأه ومما يدل على أن الصوم فيه أفضل قوله تعالى [كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ- إلى قوله- وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ] وذلك عائد إلى جميع المذكور في الآية إذ كان الكلام معطوفا بعضه على بعض فلا يخص شيء منه إلا بدلالة فاقتضى ذلك أن يكون صوم المسافر خيرا له من الإفطار فإن قيل هو عائد على ما يليه دون ما تقدمه وهو قوله [وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ] قيل له لما كان قوله [كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ] خطابا للجميع من المسافرين والمقيمين فواجب أن يكون قوله [وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ] خطابا لجميع من شمله الخطاب في ابتداء الآية وغير جائز الاقتصار به على البعض وأيضا فقد ثبت جوازه عن الفرض بما قدمناه وما كان كذلك فهو من الخيرات وقال اللّهَ اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ]
مدح قوما فقال [إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ] فالمسارعة إلى فعل الخيرات وتقديمها أفضل من تأخيرها وأيضا فعل الفروض في أوقاتها أفضل من تأخيرها إلى غيرها وأيضا
قال النبي صلّى اللّه عليه وسلم (من أراد أن يحج فليعجل)
فأمر النبي صلّى اللّه عليه وسلم بتعجيل الحج فكذلك ينبغي أن يكون سائر الفرائض المفعولة في وقتها أفضل من تأخيرها عن وقتها وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عقبة بن مكرم قال حدثنا أبو قتيبة قال حدثنا عبد الصمد بن حبيب بن عبد اللّه الأزدى قال حدثني حبيب بن عبد اللّه قال سمعت سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي يحدث عن أبيه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم (من كانت له حمولة يأوى إلى شبع فليصم رمضان حيث أدركه)
وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا نصر بن المهاجر قال حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدثنا عبد الصمد بن حبيب


الصفحة التالية
Icon