أحكام القرآن (الجصاص)، ج ١، ص : ٢٨٠
ما مدح به نفسه وأما العمل فعبادته بما يعد به من الأعمال بالجوارح كالصلاة وسائر المفروضات وكل ذلك غير مقبول إلا بعد تقدمة الاعتقاد له بالقلب على الحد الذي وصفنا وأن يتحرى بجميع ذلك موافقة أمر اللّه كما قال عز وجل [وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً] فشرط بديا تحرى موافقة أمر اللّه بذكره إرادة الآخرة ولم يقتصر عليه حتى ذكر العمل للّه وهو السعى وعقد ذلك كله بشريطة الإيمان بقوله [وَهُوَ مُؤْمِنٌ ] ثم عقبه بذكر الوعد لمن حصلت له هذه الأعمال نسأل اللّه تعالى أن يجعلنا من أهل هذه الآية وأن يوفقنا إلى ما يؤدينا إلى مرضاته وإذا كان تكبير اللّه تعالى ينقسم إلى هذه المعاني التي ذكرنا وقد علمنا لا محالة أن اعتقاد التوحيد والإيمان باللّه ورسله شرط في سائر القرب وذلك غير مختص بشيء من الطاعات دون غيرها ومعلوم أيضا أن سائر المفروضات التي يتعلق وجوبها بأسباب أخر غير مبنية على صيام رمضان ثبت أن التعظيم المذكور في هذه الآية ينبغي أن يكون متعلقا بإكمال عدة رمضان وأولى الأشياء به إظهار لفظ التكبير ثم جائز أن يكون تكبيرا يفعله الإنسان في نفسه عند رؤية هلال شوال وجائز أن يكون المراد ما تأوله كثير من السلف على أنه تكبير المفعول في الخروج إلى المصلى وجائز أن يريد به تكبيرات صلاة العيد كل ذلك يحتمله اللفظ ولا دلالة فيه على بعض دون بعض فأيها فعل فقد قضى عهدة الآية وفعل مقتضاها ولا دلالة في اللفظ على وجوبه لأن قوله تعالى [وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ ] لا يقتضى الوجوب إذ جائز أن يتناول ذلك النفل ألا ترى أنا نكبر للّه أو نعظمه بما نظهره من التكبير نفلا ولا خلاف بين الفقهاء أن إظهار التكبير ليس بواجب ومن كبر فإنما فعله استحبابا ومع ذلك فإنه متى فعل أدنى ما يسمى تكبيرا فقد وافق مقتضى الآية إلا أن ما روى من ذلك عن
النبي صلّى اللّه عليه وسلم وعن السلف
من الصدر الأول والتابعين في تكبيرهم يوم الفطر في طريق المصلى يدل على أنه مراد الآية فالأظهر من ذلك أن فعله مندوب إليه ومستحب لا حتما واجبا والذي ذكره ابن أبى عمران هو أولى بمذهب أبى حنيفة وسائر أصحابنا لما روى عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم من طريق الزهري وإن كان مرسلا وعن السلف فلأن ذلك موافق لظاهر الآية إذ كانت تقتضي تحديد تكبير عند إكمال العدة والفطر أولى بذلك من الأضحى وإذا كان ذلك عنده مسنونا في الأضحى فالفطر كذلك لأن


الصفحة التالية
Icon