أحكام القرآن (الجصاص)، ج ١، ص : ٢٩٦
فأقضي وإن شئت فلا تقضى)
وهذا حديث مضطرب السند والمتن جميعا فأما اضطراب سنده فإن سماك بن حرب يرويه مرة عمن سمع أم هانئ ومرة يقول هارون بن أم هانئ أو ابن ابنة أم هانئ ومرة يرويه عن ابني أم هانئ ومرة عن ابن أم هانئ قال أخبرنى أهلنا ومثل هذا الاضطراب في الإسناد يدل على قلة ضبط رواته وأما اضطراب المتن فمن قبل ما
حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبى شيبة قال حدثنا جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبى زياد عن عبد اللّه بن الحرث عن أم هانئ قالت لما كان يوم الفتح فتح مكة جاءت فاطمة فجلست عن يسار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وأم هانئ عن يمينه قال فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب فناولته فشرب منه ثم ناوله أم هانئ فشربت منه ثم قالت يا رسول اللّه أفطرت وكنت صائمة فقال (لها أكنت تقضين شيئا قالت لا قال فلا يضرك إن كان تطوعا)
فذكر في هذا الحديث أنه قال لا يضرك وليس في ذلك نفى لوجوب القضاء لأنا كذلك نقول أنه لم يضرها لأنها لم تعلم أنه لا يجوز لها الإفطار أو علمت ذلك ورأت اتباع النبي صلّى اللّه عليه وسلم بالشرب والإفطار أولى من المضي فيه وحدثنا عبد اللّه بن جعفر ابن أحمد بن فارس قال حدثنا يونس بن حبيب قال حدثنا أبو داود الطيالسي قال حدثنا شعبة قال أخبرنى جعدة رجل من قريش وهو ابن أم هانئ وكان سماك بن حرب يحدثه يقول أخبرنى ابنا أم هانئ قال شعبة فلقيت أنا أفضلهما جعدة فحدثني عن أم هانئ أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم دخل عليها فناولته شرابا فشرب ثم ناولها فشربت فقالت يا رسول اللّه إنى كنت صائمة فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم (الصائم المتطوع أمين نفسه أو أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر)
فقلت لجعدة سمعته أنت من أم هانئ فقال أخبرنى أهلنا وأبو صالح مولى أم هانئ عن أم هانئ ورواه سماك عمن سمع أم هانئ وذكر فيه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال (المتطوع بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر)
وروى سماك عن هارون ابن أم هانئ عن أم هانئ وقال فيه (إن كان من قضاء رمضان فصومي يوما مكانه وإن كان تطوعا فإن شئت فصومي وإن شئت فأفطرى)
ولم يذكر في شيء من هذه الأخبار نفى القضاء وإنما ذكر فيه أن الصائم بالخيار وأنه أمين نفسه وأن له أن يفطر في التطوع ولم يقل لا قضاء عليك وهذا الإختلاف في متنه يدل على أنه غير مضبوط ولو ثبتت هذه الألفاظ لم يكن فيها ما ينفى وجوب القضاء لأن أكثر ما فيها إباحة الإفطار وإباحة الإفطار


الصفحة التالية
Icon