أحكام القرآن (الجصاص)، ج ١، ص : ٣١١
من مباح الكلام قد انتظمه اللفظ وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن محمد المروزى قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن على بن الحسين عن صفية قالت كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معى ليقلبنى وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلّى اللّه عليه وسلم أسرعا فقال صلّى اللّه عليه وسلم (على رسلكما إنها صفية بنت حيي قالا سبحان اللّه يا رسول اللّه قال إن الشيطان يجرى من الإنسان مجرى الدم فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا أو قال شرا) فتشاغل في اعتكافه بمحادثة صفية ومشى معها إلى باب المسجد
وهذا يبطل قول من قال لا يتشاغل بالحديث ولا يقوم فيمشى إلى أملاك في المسجد وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يكون متعكفا في المسجد فيناولنى رأسه من خلال الحجرة فأغسل رأسه وأرجله وأنا حائض
وقد حوى هذا الخبر أحكاما منها إباحة غسل الرأس وهو في المسجد ومنها جواز المباشرة واللمس بغير شهوة للمعتكف ومنها جواز غسل الرأس في حال الاعتكاف وغسل الرأس إنما هو لإصلاح البدن فدل ذلك على أن للمعتكف أن يفعل ما فيه صلاح بدنه ودل أيضا على أنه له أن يشتغل بما فيه صلاح ماله كما أبيح له الاشتغال بإصلاح بدنه لأن
النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال (قتال المؤمن كفر وسبابة فسق وحرمة ماله كحرمة دمه)
ودل أيضا على أن للمعتكف أن يتزين لأن ترجيل الرأس من الزينة ويدل على أن من كان في المسجد فأخرج رأسه فغسله كان غاسلا له في المسجد وهو يدل على قولهم فيمن حلف لا يغسل رأس فلان في المسجد أنه يحنث إن أخرج رأسه من المسجد فغسله والحالف خارج المسجد وأنه إنما يعتبر موضع المغسول لا الغاسل لأن الغسل لا يكون إلا وهو متصل به يقتضى وجود المغسول ولذلك قالوا فيمن حلف لا يضرب فلانا في المسجد أنه يعتبر وجود المضروب في المسجد لا الضارب ويدل أيضا على طهارة يد الحائض وسؤرها وأن حيضها لا يمنع طهارة بدنها وهو
كقوله صلّى اللّه عليه وسلم ليس حيضك في يدك
واللّه أعلم.
باب ما يحله حكم الحاكم وما لا يحله
قال اللّه تعالى [وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا