أحكام القرآن (الجصاص)، ج ١، ص : ٣١٤
أبو داود قال حدثنا الربيع بن نافع قال حدثنا ابن المبارك عن أسامة بن زيد عن عبد اللّه بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم رجلان يختصمان في مواريث لهما لم تكن لهما بينة إلا دعواهما فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلم فذكر نحوه فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما حقي لك فقال لهما النبي صلّى اللّه عليه وسلم (أما إذ فعلتما ما فعلتما فاقتسما وتوخيا الحق ثم استهما ثم تحالا)
وهذان الحديثان في معنى الحديث الذي قدمناه في حظر أخذ ما يحكم له به الحاكم إذا علم أنه غير مستحق له وفيهما فوائد أخر منها أن قوله في حديث زينب بنت أم سلمة أقضى له على نحو مما أسمع يدل على جواز إقرار المقر بما أقر به على نفسه لإخباره أنه يقضى بما يسمع وكذلك قد اقتضى الحكم بمقتضى ما يسمعه من شهادة الشهود واعتبار لفظهما فيما يقتضيه ويوجبه وقال في حديث عبد اللّه بن رافع هذا اقتسما وتوخيا الحق ثم استهما وهذا الاستهام هو القرعة التي يقرع بها عند القسمة وفيه دلالة على جواز القرعة في القسمة والذي ورد التنزيل من حظر ما حكم له به الحاكم إذا علم المحكوم له أنه غير محكوم له بحق قد اتفقت الأمة عليه فيمن ادعى حقا في يدي رجل وأقام بينة فقضى له أنه غير جائز له أخذه وإن حكم الحاكم لا يبيح له ما كان قبل ذلك محظورا عليه واختلفوا في حكم الحاكم بعقد أو فسخ عقد بشهادة شهود إذا علم المحكوم له أنهم شهود زور فقال أبو حنيفة إذا حكم الحاكم ببينة بعقد أو فسخ عقد مما يصح أن يبتدأ فهو نافذ ويكون كعقد نافذ عقداه بينهما وإن كان الشهود شهود زور أبو يوسف ومحمد والشافعى حكم الحاكم في الظاهر كهو في الباطن وقال أبو يوسف فإن حكم بفرقة لم تحل للمرأة أن تتزوج ولا يقربها زوجها أيضا قال أبو بكر روى نحو قول أبى حنيفة
عن على وابن عمر والشعبي ذكر أبو يوسف عن عمرو بن المقدام عن أبيه أن رجلا من الحي خطب امرأة وهو دونها في الحسب فأبت أن تزوجه فادعى أنه تزوجها وأقام شاهدين عند على فقالت إنى لم أتزوجه قال قد زوجك الشاهدان فأمضى عليهما النكاح
قال أبو يوسف وكتب إلى شعبة بن الحجاج يرويه عن زيد أن رجلين شهدا على رجل أنه طلق امرأته بزور ففرق القاضي بينهما ثم تزوجها أحد الشاهدين قال الشعبي ذلك جائز وأما ابن عمر فإنه باع عبدا بالبراءة فرفعه المشترى إلى عثمان فقال عثمان أتحلف باللّه ما بعته وبه داء كتمته فأبى أن يحلف فرده عليه عثمان فباعه من غيره بفضل كثير فاستجاز ابن عمر بيع العبد مع علمه بأن باطن ذلك الحكم خلاف