أحكام القرآن (الجصاص)، ج ١، ص : ٣٦٧
مَعْلُوماتٌ ]
وغير جائز أن يكون المراد فعل الحج الذي لا يصح إلا به لأن ذلك إنما هو يوم عرفة بعد الزوال ويستحيل صوم الثلاثة الأيام فيه ومع ذلك فلا خلاف في جوازه قبل يوم عرفة فبطل هذا الوجه وبقي من وجوه الاحتمال في إحرام الحج أو في أشهر الحج وظاهره يقتضى جواز فعله بوجود أيهما كان لمطابقته اللفظ في الآية وأيضا قوله [فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِ ] معلوم أن جوازه معلق بوجود سببه لا بوجوبه فإذا كان هذا المعنى موجودا عند إحرامه بالعمرة وجب أن يجزى ولا يكون ذلك خلاف الآية كما أن قوله [وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ] لا يمنع جواز تقديمها على القتل لوجود الجراحة وكذلك قوله لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول لم يمنع جواز تعجيلها لوجود سببها وهو النصاب فكذلك قوله [فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِ ] غير مانع جواز تعجيله لأجل وجود سببه الذي به جاز فعله في الحج فإن قيل لم نجد بدلا يجوز تقديمه على وقت المبدل عنه ولما كان الصوم بدلا من الهدى لم يجز تقديمه عليه قيل له هذا اعتراض على الآية لأن نص التنزيل قد أجاز ذلك في الحج قبل يوم النحر وأيضا فإنا لم
نجد ذلك فيما تقدم البدل كله على وقت المبدل عنه وها هنا إنما جاز تقديم بعض الصيام على وقت الهدى وهو صوم الثلاثة الأيام والسبعة التي معها غير جائز تقديمها عليه لأنه تعالى قال [وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ] فإنما أجيز له من ذلك مقدار ما يحل به يوم النحر إذا لم يجد الهدى وأيضا فإن الصوم لما كان بدلا من الهدى وهدى العمرة يصح إيجابه بعد إحرام العمرة ويتعلق به حكم التمتع في باب المنع من الإحلال إلى أن يذبحه فكذلك يجوز الصيام بدلا منه من حيث صح هديا للمتعة ويدل أيضا على صحة كونه عن المتعة أنه متى بعث بهدى المتعة ثم خرج يريد الإحرام أنه يصير محرما قبل أن يلحقه فدل ذلك على صحة هدى المتعة بالسوق فكذلك يصح الصوم بدلا منه إذا لم يجد فإن قيل فقد يصح هديا قبل أن يحرم بالعمرة ولا يجوز الصوم في تلك الحال قيل له قبل إحرام المتعة لم يتعلق به حكم المتعة والدليل على ذلك أنه لا تأثير له في هذه الحال في حكم الإحرام ووجوده وعدمه سواء فلم يصح الصوم معه قبل إحرام العمرة فإذا أحرم بعمرة ثبت لها حكم الهدى في منعه الإحلال فلذلك جاز الصوم في تلك الحال كما صح هديا للمتعة ويدل على جواز تقديم الصوم على إحرام الحج أن سنة المتمتع أن يحرم بالحج يوم التروية وبذلك أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلم أصحابه