أحكام القرآن (الجصاص)، ج ١، ص : ٣٨
ومذمومة لأن حكم اللفظ أن يكون محمولا على بابه وحقيقته ويدل على أن الأمر بالسجود قد كان أراد به تكرمة آدم عليه السلام وتفضيله قول إبليس فيما حكى اللّه عنه [أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ ] فأخبر إبليس أن امتناعه كان من السجود لأجل ما كان من تفضيل اللّه وتكرمته بأمره إياه بالسجود له ولو كان الأمر بالسجود له على أنه نصب قبلة للساجدين من غير تكرمة ولا فضيلة له لما كان لآدم في ذلك حظ ولا فضيلة تحسد كالكعبة المنصوبة للقبلة وقد كان السجود جائزا في شريعة آدم عليه السلام للمخلوقين ويشبه أن يكون قد كان باقيا إلى زمان يوسف عليه السلام فكان فيما بينهم لمن يستحق ضربا من التعظيم ويراد إكرامه وتبجيله بمنزلة المصافحة والمعانقة فيما بيننا وبمنزلة تقبيل اليد وقد روى عن النبي عليه السلام في إباحة تقبيل اليد أخبار وقد روى الكراهة إلا أن السجود لغير اللّه تعالى على وجه التكرمة والتحية منسوخ بما
روت عائشة وجابر بن عبد اللّه وأنس أن النبي عليه السلام قال (ما ينبغي لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)
من عظم حقه عليها لفظ حديث أنس بن مالك
قوله تعالى [وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ ] قيل أن فائدة قوله [وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ ] وإن كان الكفر قبيحا من الأول والآخر منهيا عنه الجميع إن السابق إلى الكفر يقتدى به غيره فيكون أعظم لمأثمه وجرمه كقوله تعالى [وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ ] وقوله [مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً] وروى عن النبي عليه السلام أن على ابن آدم القاتل كفلا من الإثم في كل قتيل ظلما لأنه أول من سن القتل
وقال عليه السلام (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة
قوله تعالى [وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ] لا يخلو من أن يكون راجعا إلى صلاة معهودة وزكاة معلومة وقد عرفها أو أن يكون متناولا صلاة مجملة وزكاة مجملة موقوفة على البيان إلا أنا قد علمنا الآن أنه قد أريد بهما فيما خوطبنا به من هذه الصلوات المفروضة والزكاة الواجبة إما لأنه كان معلوما عند المخاطبين في حال ورود الخطاب أو أن يكون كان ذلك مجملا ورد بعده بيان المراد فحصل ذلك معلوما وأما قوله [وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ]


الصفحة التالية
Icon