أحكام القرآن (الجصاص)، ج ١، ص : ٣٨٣
السلف في ذلك فقال ابن عمر
إذا قلد بدنته فقد أحرم وكذلك روى عن على
وقيس بن سعد وابن مسعود وابن عباس وطاوس وعطاء ومجاهد والشعبي ومحمد بن سيرين وجابر ابن زيد وسعيد بن جبير وإبراهيم وهذا على أنه قلدها وساقها وهو يريد الإحرام لأنه لا خلاف أنه إذا لم يرد الإحرام لا يكون محرما وقد روى عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال إنى قلدت الهدى فلا أحل إلى يوم النحر
فأخبر أن تقليد الهدى وسوقه كان المانع له من الإحرام فدل على أن لذلك تأثيرا في الإحرام وأنه قائم مقام التلبية في باب الدخول فيه كما كان له تأثير في منع الإحلال والدليل على أن التقليد بانفراده لا يوجب الإحرام ما
روت عائشة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم أنه كان يبعث بهديه ويقيم فلا يحرم عليه شي ء
وكذلك قالت عائشة لا يحرم إلا من أهل ولبى تعنى ممن لم يسق هديه ولم يخرج معه قوله تعالى [فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ ] اختلف السلف في تأويل الرفث فقال ابن عمر هو الجماع وروى عن ابن عباس مثله وروى عنه أنه التعريض بالنساء وكذلك عن ابن الزبير وروى عن ابن عباس أنه أنشد في حرامه :
وهن يمشين بنا هميسا أن يصدق الطير ننك لميسا
فقيل له في ذلك فقال إنما الرفث مراجعة النساء بذكر الجماع وقال عطاء الرفث الجماع فما دونه من قول الفحش وقال عمرو بن دينار هو الجماع فما دونه من شأن النساء قال أبو بكر قد قيل إن أصل الرفث في اللغة هو الإفحاش في القول وبالفرج الجماع وباليد الغمز للجماع وإذا كان كذلك قد تضمن نهيه عن الرفث في الحج هذه الوجوه كلها وحصل من اتفاق جميع من روى عنه تأويله أن الجماع مراد به في هذه الآية ويدل على أن الرفث الفحش في المنطق
قوله صلّى اللّه عليه وسلم (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن جهل عليه فليقل إنى صائم)
والمراد فحش القول وإن كان المراد بالرفث هو التعريض بذكر النساء في الإحرام فاللمس والجماع أولى أن يكون محظورا كما قال تعالى [فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما] عقل منه النهى عن السب والضرب وقد ذكر اللّه تعالى الرفث في شأن الصوم فقال [أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ] ولا خلاف أنه يريد به الجماع وعقل منه إباحة ما دونه كما أن حظره الرفث في الحج وهو التعريض واللمس قد عقل به حظر ما فوقه من الجماع لأن حظر القليل يدل على الكثير من جنسه وإباحة الكثير تدل على إباحة القليل من جنسه


الصفحة التالية
Icon