أحكام القرآن (الجصاص)، ج ١، ص : ٤٠٠
ذلك الصدقات من النوافل والفروض ومنها أن الأقرب فالأقرب أولى بذلك بقوله [فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ] مع
بيان النبي صلّى اللّه عليه وسلم لمراد اللّه بقوله ابدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك وأدناك فأدناك
وفيه الدلالة على وجوب نفقة الوالدين والأقربين عليه فإن قيل فينبغي أن يلزمه نفقة المساكين وابن السبيل وجميع من ذكر في الآية قيل له قد اقتضى ظاهرها ذلك وخصصنا بعضها من النفقة التي تستحقها الأقارب بدلالة وهم داخلون في الزكاة والتطوع وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا معاذ بن المثنى قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا سفيان عن مزاحم بن زفر عن مجاهد عن أبى هريرة قال دينار أعطيته في سبيل اللّه ودينار أعطيته مسكينا ودينار أعطيته في رقبة ودينار أنفقته على أهلك فإن الدينار الذي أنفقته على أهلك أعظمها أجرا وقد روى ذلك مرفوعا إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلم حدثنا عبد الباقي قال حدثنا محمد بن يحيى المروزى قال حدثنا عاصم بن على قال حدثنا المسعودي عن مزاحم بن زفر عن مجاهد عن أبى هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم نحوه وحدثنا عبد الباقي قال حدثنا معاذ بن المثنى قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا شعبة عن عدى بن ثابت عن عبد اللّه ابن زيد عن ابن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال إن المسلم إذا أنفق نفقة على أهله كانت له صدقة
فهذه الآثار موافقة لمعنى قوله [يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ] وقد اختلف في المراد به فقال ابن عباس وقتادة الفضل عن الغنى قال الحسن وعطاء الوسط من غير إسراف وقال مجاهد أراد به الصدقة المفروضة قال أبو بكر إذا كان العفو ما فضل فجائز أن يريد به الزكاة المفروضة في أنها لا تجب إلا فيما فضل عن مقدار الحاجة وحصل به الغنى وكذلك سائر الصدقات الواجبة ويجوز أن يريد به صدقة التطوع فيتضمن ذلك الأمر بالإنفاق على نفسه وعياله والأقرب فالأقرب منه ثم بعد ذلك ما يفضل يصرفه إلى الأجانب ويحتج به في أن صدقة الفطر وسائر الصدقات لا تجب على الفقير إذ كان اللّه تعالى إنما أمرنا بالإنفاق من العفو والفاضل عن الغنى.
قوله تعالى [كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ] هذا يدل على فرض القتال لأن قوله [كُتِبَ عَلَيْكُمُ ] بمعنى فرض عليكم كقوله [كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ] ثم لا يخلو القتال المذكور في الآية من أن يرجع إلى معهود قد عرفه المخاطبون أو لم يرجع إلى معهود لأن الألف واللام تدخلان للجنس أو للمعهود فإن كان المراد قتالا قد عرفوه رجع الكلام