أحكام القرآن (الجصاص)، ج ١، ص : ٤٨
شرائطها المذكورة وقوله تعالى [وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ] يحتمل وجهين أحدهما لا يقتل بعضكم بعضا كقوله تعالى [وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ] وكذلك أخراهم من ديارهم وكقوله [وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا] والآخر أن لا يقتل كل واحد نفسه إما بأن يباشر ذلك كما يفعله الهند وكثير ممن يغلب عليه اليأس من الخلاص عند شدة هو فيها أو بأن يقتل غيره فيقتل به فيكون في معنى قتل نفسه واحتمال اللفظ المعنيين يوجب أن يكون عليهما جميعا وهذا الذي أخبر اللّه به من حكم شريعة التوراة مما كان يكتمه اليهود لما عليهم في ذلك الوكس ويلزمهم في ذلك من الذم فأطلع اللّه نبيه عليه وجعله دلالة وحجة عليهم في جحدهم نبوته إذ لم يكن عليه السلام ممن قرأ الكتب ولا عرف ما فيها إلا بإعلام اللّه تعالى إياه وكذلك جميع ما حكى اللّه بعد هذه الآية عنهم من قوله [وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا] وسائر ما ذمهم هو توقيف منه له على ما كانوا يكتمون وتقريع لهم على ظلمهم وكفرهم وإظهار قبائحهم وجميعه دلالة على نبوته عليه السلام
وقوله تعالى [وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ] دال على أن فداء أساراهم كان واجبا عليهم وكان إخراج فريق منهم من ديارهم محرما عليهم فإذا أسر بعضهم عدوهم كان عليهم أن يفادوهم فكانوا في إخراجهم كافرين ببعض الكتاب لفعلهم ما حظره اللّه عليهم وفي مفاداتهم مؤمنين ببعض الكتاب بقيامهم بما أوجبه اللّه عليهم وهذا الحكم من وجوب مفاداة الأسارى ثابت علينا
روى الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن جده أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار أن يعقلوا معاقلهم ويفدوا اعانيهم بالمعروف والإصلاح بين المسلمين
وروى منصور عن شقيق بن سلمة عن أبى موسى الأشعرى قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم (أطعموا الطعام وأفشوا السلام وعودوا المريض وفكوا العاني)
فهذان الخبران يدلان على فكاك الأسير لأن العاني هو الأسير وقد روى عمران بن حصين وسلمة بن الأكوع أن النبي عليه السلام فدى أسارى من المسلمين بالمشركين
وروى الثوري عن عبد اللّه بن شريك عن بشر بن غالب قال سئل الحسين بن على عليهما السلام على من فدى الأسيرى قال على الأرض التي يقاتل عنها
قوله تعالى [قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ]
روى أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم


الصفحة التالية
Icon