أحكام القرآن (الجصاص)، ج ١، ص : ٧٧
تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ]
أى حيث كنتم قال أبو بكر ففي هذه الأخبار أن سبب نزول الآية كان صلاة هؤلاء الذين صلوا لغير القبلة اجتهادا وروى عن ابن عمر في خبر آخر أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم كان يصلّى على راحلته وهو مقبل من مكة نحو المدينة حيث توجهت وفيه أنزلت [فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ]
وروى معمر عن قتادة في قوله [فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ] قال هي القبلة الأولى ثم نسختها الصلاة إلى المسجد الحرام وقيل فيه أن اليهود أنكروا تحويل القبلة إلى الكعبة بعد ما كان النبي صلّى اللّه عليه وسلم يصلّى إلى بيت المقدس فأنزل اللّه ذلك ومن الناس من يقول إن النبي صلّى اللّه عليه وسلم كان مخيرا في أن يصلّى إلى حيث شاء وإنما كان توجه إلى بيت المقدس على وجه الاختيار لا على وجه الإيجاب حتى أمر بالتوجه إلى الكعبة وكان قوله [فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ] في وقت التخيير قبل الأمر بالتوجه إلى الكعبة قال أبو بكر اختلف أهل العلم فيمن صلّى في سفر مجتهدا إلى جهة ثم تبين أنه صلّى لغير القبلة وقال أصحابنا جميعا والثوري إن وجد من يسأله فعرفه جهة القبلة فلم يفعل لم تجز صلاته وإن لم يجد من يعرفه جهتها فصلاها باجتهاده أجزأته صلاته سواء صلاها مستدبر القبلة أو مشرقا أو مغربا عنها وروى نحو قولنا عن مجاهد وسعيد بن المسيب وإبراهيم وعطاء والشعبي وقال الحسن والزهري وربيعة وابن أبى سلمة يعيد في الوقت فإذا فات الوقت لم يعد وهو قول مالك رواه ابن وهب عنه وروى أبو مصعب عنه إنما يعيد في الوقت إذا صلاها مستدبر القبلة أو شرق أو غرب وإن تيامن قليلا أو تياسر قليلا فلا إعادة عليه وقال الشافعى من اجتهد فصلّى إلى المشرق ثم رأى القبلة في المغرب استأنف فإن كانت شرقا ثم رأى أنه منحرف فتلك جهة واحدة وعليه أن ينحرف ويعتد بما مضى قال أبو بكر ظاهر الآية يدل على جوازها إلى أى جهة صلاها وذلك أن قوله [فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ] معناه فثم رضوان اللّه وهو الوجه الذي أمرتم بالتوجه إليه كقوله تعالى [إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ ] يعنى لرضوانه ولما أراده منا وقوله [كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ] يعنى ما كان لرضاه وإرادته وقد
روى في حديث عامر بن ربيعة وجابر اللذين قدمنا أن الآية في هذا أنزلت فإن قيل روى أنها نزلت في التطوع على الراحلة وروى أنها نزلت في بيان القبلة قيل له لا يمتنع أن يتفق هذه الأحوال كلها في وقت واحد ويسئل النبي صلّى اللّه عليه وسلم عنها فينزل اللّه تعالى الآية ويريد بها بيان حكم جميعها ألا ترى أنه لو نص على كل واحدة


الصفحة التالية
Icon