أحكام القرآن (الجصاص)، ج ١، ص : ٨٤
الإحفاء وروى عبد اللّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال (أحفوا الشارب واعفوا اللحى)
وروى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال (جزوا الشارب وارخوا اللحى)
وهذا يحتمل الإحفاء أيضا وروى عمر بن سلمة عن أبيه عن أبى هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال (أحفوا الشارب واعفوا اللحى)
وهذا يدل على أن مراده بالخبر الأول الإحفاء والإحفاء يقتضى ظهور الجلد بإزالة الشعر كما يقال رجل حاف إذا لم يكن في رجله شيء ويقال حفيت رجله وحفيت الدابة إذا أصاب أسفل رجلها وهن من الحفا قال وروى عن أبى سعيد الخدري وأبى أسيد ورافع بن خديج وسهل بن سعد وعبد اللّه بن عمر وجابر بن عبد اللّه وأبى هريرة أنهم كانوا يحفون شواربهم وقال إبراهيم ابن محمد بن خطاب رأيت ابن عمر يحلق شاربه كأنه ينتفه وقال بعضهم حتى يرى بياض الجلد قال أبو بكر ولما كان التقصير مسنونا في الشارب عند الجميع كان الحلق أفضل
قال النبي صلّى اللّه عليه وسلم رحم اللّه المحلقين ثلاثا ودعا للمقصرين مرة
فجعل حلق الرأس أفضل من التقصير وما احتج به مالك أن عمر كان يفتل شاربه إذا غضب فجائز أن يكون كان يتركه حتى يمكن فتله ثم يحلقه كما ترى كثيرا من الناس يفعله وقوله تعالى [إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً] فإن الإمام من يؤتم به في أمور الدين من طريق النبوة وكذلك سائر الأنبياء أئمة عليهم السلام لما ألزم اللّه تعالى الناس من اتباعهم والائتمام بهم في أمور دينهم فالخلفاء أئمة لأنهم رتبوا في المحل الذي يلزم الناس اتباعهم وقبول قولهم وأحكامهم والقضاة والفقهاء أئمة أيضا ولهذا المعنى الذي يصلى بالناس يسمى إماما لأن من دخل في صلاته لزمه الإتباع له والائتمام به وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلم (إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا)
وقال (لا تختلفوا على إمامكم)
فثبت بذلك أن اسم الإمامة مستحق لمن يلزم اتباعه والاقتداء به في أمور الدين أو في شيء منها وقد يسمى بذلك من يؤتم به في الباطل إلا أن الإطلاق لا يتناوله قال اللّه تعالى [وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ] فسموا أئمة لأنهم أنزلوهم بمنزلة من يقتدى بهم في أمور الدين وإن لم يكونوا أئمة يجب الاقتداء بهم كما قال اللّه تعالى [فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ ] وقال [وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً] يعنى في زعمك واعتقادك وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلم (أخوف ما أخاف على أمتى أئمة مضلون)
والإطلاق إنما يتناول من يجب الائتمام به في دين اللّه تعالى وفي الحق


الصفحة التالية
Icon