أحكام القرآن (الجصاص)، ج ١، ص : ٩١
شيبة قال حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد وطاوس عن ابن عباس في هذه القصة ولا يختلى خلاها وقال إن اللّه حرم مكة يوم خلق السموات والأرض لم تحل لأحد قبلي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار
وروى ابن أبى ذئب عن سعيد المقبري عن أبى شريح الكعبي قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إن اللّه تعالى حرم مكة ولم يحرمها الناس فلا يسفكن فيها دم وإن اللّه أحلها لي ساعة من نهار ولم يحلها للناس وأخبر النبي صلّى اللّه عليه وسلم أن اللّه حرمها يوم خلق السموات والأرض وحظر فيها سفك الدماء وإن حرمتها باقية إلى يوم القيامة
وأخبر أن من تحريمها تحريم صيدها وقطع الشجر والخلا فإن قال قائل ما وجه استثنائه الإذخر من الحظر عند مسألة العباس وقد أطلق قبل ذلك حظر الجميع ومعلوم أن النسخ قبل التمكين من الفعل لا يجوز قيل له يجوز أن يكون اللّه تعالى خير نبيه صلّى اللّه عليه وسلم في إباحة الإذخر وحظره عند سؤال من يسئله إباحته كما قال تعالى [فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ ] فخيره في الإذن عند المسألة ومع ما حرم اللّه تعالى من حرمتها بالنص والتوقيف فإن من آياتها ودلالاتها على توحيدها اللّه تعالى واختصاصه لها ما يوجب تعظيمها ما يشاهد فيها من أمن الصيد فيها وذلك أن سائر بقاع الحرم مشبهة لبقاع الأرض ويجتمع فيها الظبى والكلب فلا يهيج الكلب الصيد ولا ينفر منه حتى إذا خرجا من الحرم عدا الكلب عليه وعاد هو إلى النفور والهرب وذلك دلالة على توحيد اللّه سبحانه وتعالى وعلى تفضيل إسماعيل عليه السلام وتعظيم شأنه وقد روى عن جماعة من الصحابة حظر صيد الحرم وشجره ووجوب الجزاء على قتله أو قطعه قوله تعالى [وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ] يدل على لزوم ركعتي الطواف وذلك لأن قوله تعالى [مَثابَةً لِلنَّاسِ ] لما اقتضى فعل الطواف ثم عطف عليه قوله [وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ] وهو أمر ظاهره الإيجاب دل ذلك على أن الطواف موجب للصلاة وقد روى عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم ما يدل على أنه أراد به صلاة الطواف وهو
ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد اللّه بن محمد النفيلى قال حدثنا حاتم بن إسماعيل قال حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر وذكر حجة النبي صلّى اللّه عليه وسلم إلى قوله استلم النبي صلّى اللّه عليه وسلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ [وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ] فجعل المقام بينه وبين البيت وصلّى ركعتين فلما تلا صلّى اللّه عليه وسلم عند إرادته الصلاة خلف المقام [وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ]
دل ذلك على أن