أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٢، ص : ٢٨٨
وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لو حضروا وباهلوا لأضرم اللّه تعالى عليهم الوادي نارا ولم يرجعوا إلى أهل ولا ولد
وهذه الأمور كلها من دلائل النبوة وصحة الرسالة وروى عن الحسن وقتادة إنما أراد بقوله تعالى يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ إلى القرآن لأن ما فيه يوافق ما في التوراة في أصول الدين والشرع والصفات التي قد قدمت بها البشارة في الكتب المتقدمة والدعاء إلى كتاب اللّه تعالى في هذه الآية يحتمل معاني جائز أن يكون نبوة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على ما بينا ويحتمل أن يكون أمر إبراهيم عليه السلام وأن دينه الإسلام ويحتمل أن يريد به بعض أحكام الشرع من حد أو غيره كما
روى عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه ذهب إلى بعض مدارسهم فسألهم عن حد الزاني فذكروا الجلد والتحميم وكتموا الرجم حتى وقفهم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على آية الرجم بحضرة عبد اللّه بن سلام
وإذا كانت هذه الوجوه محتملة لم يمتنع أن يكون الدعاء قد وقع إلى جميع ذلك وفيه الدلالة على أن من دعا خصمه إلى الحكم لزمته إجابته لأنه دعاه إلى كتاب اللّه تعالى ونظيره أيضا قوله تعالى وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ
قوله تعالى قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ قيل في قوله تعالى مالِكَ الْمُلْكِ أنه صفة لا يستحقها إلا اللّه تعالى ومن أنه مالك كل ملك وقيل مالك أمر الدنيا والآخرة وقيل مالك العباد وما ملكوا وقال مجاهد أراد بالملك هاهنا النبوة وقوله تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ يحتمل وجهين أمر ملك الأموال والعبيد وذلك مما يجوز أن يؤتيه اللّه للمسلم والكافر والآخر أمر التدبير وسياسة الأمة فهذا مخصوص به المسلم العدل دون الكافر ودون الفاسق وسياسة الأمة وتدبيرها متعلقة بأوامر اللّه تعالى ونواهيه وذلك لا يؤتمن الكافر عليه ولا الفاسق لا يجوز أن تجعل إلى من هذه صفته سياسة المؤمنين لقوله تعالى لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ فإن قيل قال اللّه تعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ فأخبر أنه آتى الكافر الملك قيل له يحتمل أن يريد به المال إن كان المراد إيتاء الكافر الملك وقد قيل إنه أراد به آتى إبراهيم الملك يعنى النبوة وجواز الأمر والنهى في طريق الحكمة وقوله تعالى لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ الآية فيه نهى عن اتخاذ الكافرين أولياء لأنه جزم الفعل فهو إذا نهى وليس بخبر قال ابن عباس نهى اللّه تعالى المؤمنين بهذه الآية أن يلاطفوا ونظيرها من الآي قوله تعالى لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ


الصفحة التالية
Icon