أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٢، ص : ٣٠٠
موضوعة للاستحقاق وإنما موضوعها لإسقاط الخصومة وروى العوام بن حوشب قال حدثنا إبراهيم بن إسماعيل أنه سمع ابن أبى أوفى يقول أقام رجل سلعة فحلف باللّه الذي لا إله إلا هو لقد أعطيت بها ثمنا لم يعط بها ليوقع فيها مسلما فنزلت إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ الآية وروى عن الحسن وعكرمة أنها نزلت في قوم من أحبار اليهود كتبوا كتابا بأيديهم ثم حلفوا أنه من عند اللّه ممن ادعوا أنه ليس علينا في الأميين سبيل
قوله تعالى وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ- إلى قوله تعالى- وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يدل على أن المعاصي ليست من عند اللّه ولا من فعله لأنها لو كانت من فعله لكانت من عنده وقد نفى اللّه نفيا عاما كون المعاصي من عنده ولو كانت من فعله لكانت من عنده من آكد الوجوه فكان لا يجوز إطلاق النفي بأنه ليس من عنده فإن قيل فقد يقال إن الإيمان من عند اللّه ولا يقال إنه من عنده من كل الوجوه كذلك الكفر والمعاصي قيل له لأن إطلاق النفي يوجب العموم وليس كذلك إطلاق الإثبات ألا ترى أنك لو قلت ما عند زيد طعام كان نفيا لقليله وكثيره ولو قلت عنده طعام ما كان عموما في كون جميع الطعام عنده
قوله تعالى لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ قيل في معنى البر هاهنا وجهان أحدهما الجنة وروى ذلك عن عمرو بن ميمون والسدى وقيل فيه البر بفعل الخير الذي يستحقون به الأجر والنفقة هاهنا إخراج ما يحبه في سبيل اللّه من صدقة أو غيرها وروى يزيد بن هارون عن حميد عن أنس قال لما نزلت لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، ومَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً قال أبو طلحة يا رسول اللّه حائطي الذي بمكان كذا وكذا للّه تعالى ولو استطعت أن أسره ما أعلنته فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اجعله في قرابتك أو في أقربائك
وروى يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن أبى عمرو بن حماس عن حمزة بن عبد اللّه عن عبد اللّه بن عمر قال خطرت هذه الآية لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ فتذكرت ما أعطانى اللّه فلم أجد شيئا أحب إلى من جاريتي أميمة فقلت هي حرة لوجه اللّه فلو لا أن أعود في شيء فعلته للّه لنكحتها فأنكحتها نافعا وهي أم ولده
حدثنا عبد اللّه بن محمد ابن إسحاق قال حدثنا الحسن بن أبى الربيع قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أيوب وغيره أنها حين نزلت لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ جاء زيد بن حارثة بفرس له كان يحبها فقال يا رسول اللّه هذه في سبيل اللّه فحمل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عليها أسامة بن


الصفحة التالية
Icon