أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٢، ص : ٣١٢
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أيما صبي حج ثم أدرك الحلم فعليه أن يحج حجة أخرى وأيما أعرابى حج ثم هاجر فعليه أن يحج حجةأخرى وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى
فأوجب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على العبد أن يحج حجة أخرى ولم يعتد له بالحجة التي فعلها في حال الرق وجعله بمنزلة الصبى فإن قيل فقد قال مثله في الأعرابى وهو مع ذلك يجزيه الحجة المفعولة قبل الهجرة قيل له كذلك كان حكم الأعرابى في حال ما كانت الهجرة فرضا لأنه يمتنع أن يقول ذلك بعد نسخ فرض الهجرة فلما
قال صلّى اللّه عليه وسلّم لا هجرة بعد الفتح
نسخ الحكم المتعلق به من وجوب إعادة الحج بعد الهجرة إذ لا هجرة هناك واجبة وقد روى نحو قولنا في حج العبد عن ابن عباس والحسن وعطاء قال أبو بكر والذي يقتضيه ظاهر قوله تعالى وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ حجة واحدة إذ ليس فيه ما يوجب تكرارا فمتى فعل الحج فقد قضى عهدة الآية وقد أكد ذلك النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بما
حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبى شيبة قالا حدثنا يزيد بن هارون عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أبى سنان قال أبو داود هو الدؤلي عن ابن عباس أن الأقرع بن حابس سأل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال يا رسول اللّه الحج في كل سنة أو مرة واحدة فقال بل مرة واحدة فمن زاد فتطوع
قوله تعالى وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ
روى وكيع عن فطر بن خليفة عن نفيع أبى داود قال سأل رجل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عن هذه الآية وَمَنْ كَفَرَ قال هو إن حج لا يرجو ثوابه وإن حبس لا يخاف عقابه
وروى مجاهد من قوله مثله وقال الحسن من كفر بالحج وقد دلت هذه الآية على بطلان مذهب أهل الجبر لأن اللّه تعالى جعل من وجد زادا وراحلة مستطيعا للحج قبل فعله ومن مذهب هؤلاء أن من لم يفعل الحج لم يكن مستطيعا له قط فواجب على مذهبهم أن يكون معذورا غير ملزم إذا لم يحج إذ كان اللّه تعالى إنما ألزم الحج من استطاع وهو لم يكن مستطيعا قط إذ لم يحج ففي نص التنزيل واتفاق الأمة على لزوم فرض الحج لمن كان وصفه ما ذكرنا من صحة البدن ووجود الزاد والراحلة ما يوجب بطلان قولهم
قوله تعالى قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ قال زيد بن أسلم نزلت في قوم من اليهود كانوا يغرون الأوس والخزرج بذكرهم الحروب التي كانت بينهم حتى ينسلخوا من الدين بالعصبية وحمية الجاهلية وعن الحسن أنها نزلت في اليهود والنصارى


الصفحة التالية
Icon