أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٢، ص : ٣١٧
لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ
مع ما أخبر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من إنكاره بلسانه إلا أن ذلك لم ينفعه مع مجالسته ومؤاكلته ومشاربته إياه وقد روى عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في ذلك أيضا
ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا وهب بن بقية قال أخبرنا خالد عن إسماعيل عن قيس قال قال أبو بكر بعد أن حمد اللّه تعالى وأثنى عليه يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ وأنا سمعنا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه يوشك أن يعمهم اللّه بعقاب
وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو الربيع سليمان ابن داود العتكي قال حدثنا ابن المبارك عن عتبة بن أبى حكيم قال حدثني عمرو بن جارية اللخمي قال حدثني أبو أمية الشعبانى قال سألت أبا ثعلبة الخشني فقلت يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ فقال أما واللّه لقد سألت عنها خبيرا سألت عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأى برأيه فعليك يعنى بنفسك ودع عنك العوام فإن من ورائكم أيام الصبر الصبر فيه كقبض على الجمر للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله قال وزادني غيره قال يا رسول اللّه أجر خمسين منهم قال أجر خمسين منكم
وفي هذه الأخبار دلالة على أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لهما حالان حال يمكن فيها تغيير المنكر وإزالته ففرض على من أمكنه إزالة ذلك بيده أن يزيله وإزالته باليد تكون على وجوه منها أن لا يمكنه إزالته إلا بالسيف وأن يأتى على نفس فاعل المنكر فعليه أن يفعل ذلك كمن رأى رجلا قصده أو قصد غيره بقتله أو بأخذ ماله أو قصد الزنا بامرأة أو نحو ذلك وعلم أنه لا ينتهى إن أنكره بالقول أو قاتله بما دون السلاح فعليه أن يقتله
لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم من رأى منكرا فليغيره بيده
فإذا لم يمكنه تغييره بيده إلا بقتل المقيم على هذا المنكر فعليه أن يقتله فرضا عليه وإن غلب في ظنه أنه إن أنكره بيده ودفعه عنه بغير سلاح انتهى عنه لم يجز له الإقدام على قتله وإن غلب في ظنه أنه إن أنكره بالدفع بيده أو بالقول امتنع عليه ولم يمكنه بعد ذلك دفعه عنه ولم يمكنه إزالة هذا المنكر إلا بأن يقدم عليه بالقتل من غير إنذار منه له فعليه أن يقتله وقد ذكر ابن رستم عن محمد في رجل غصب متاع رجل وسعك قتله حتى تستنقذ المتاع وترده إلى صاحبه وكذلك قال أبو حنيفة