أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٢، ص : ٣٢٣
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فإن قيل فهل تجب إزالة المنكر من طريق اعتقاد المذاهب الفاسدة على وجه التأويل كما وجب في سائر المناكير من الأفعال قيل له هذا على وجهين فمن كان منهم داعيا إلى مقالته فيضل الناس بشبهته فإنه تجب إزالته عن ذلك بما أمكن ومن كان منهم معتقدا ذلك في نفسه غير داع إليها فإنما يدعى إلى الحق بإقامة الدلالة على صحة قول الحق وتبين فساد شبهته ما لم يخرج على أهل الحق بسفيه ويكون له أصحاب يمتنع بهم عن الإمام فإن خرج داعيا إلى مقالته مقاتلا عليها فهذا الباغي الذي أمر اللّه تعالى بقتاله حتى يفيء إلى أمر اللّه تعالى وقد روى عن على كرم اللّه وجهه أنه كان قائما على المنبر بالكوفة يخطب فقالت الخوارج من ناحية المسجد لا حكم إلا للّه فقطع خطبته وقال كلمة حق يراد بها باطل أما أن لهم عندنا ثلاثا أن لا نمنعهم حقهم من الفيء ما كانت أيديهم مع أيدينا ولا نمنعهم مساجد اللّه أن يذكروا فيها اسمه ولا نقاتلهم حتى يقاتلونا
فأخبر أنه لا يجب قتالهم حتى يقاتلونا وكان ابتدأهم على كرم اللّه وجهه بالدعاء حين نزلوا حروراء وحاجهم حتى رجع بعضهم وذلك أصل في سائر المتأولين من أهل المذاهب الفاسدة أنهم ما لم يخرجوا داعين إلى مذاهبهم لم يقاتلوا وأقروا على ما هم عليه ما لم يكن ذلك المذهب كفرا فإنه غير جائز إقرار أحد من الكفار على كفره إلا بجزية وليس يجوز إقرار من كفر بالتأويل على الجزية لأنه بمنزلة المرتد لإعطائه بديا جملة التوحيد والإيمان بالرسول فمتى نقض ذلك بالتفصيل صار مرتدا ومن الناس من يجعلهم بمنزلة أهل الكتاب كذلك كان يقول أبو الحسن فتجوز عنده مناكحتهم ولا يجوز للمسلمين أن يزوجوهم وتؤكل ذبائحهم لأنهم منتحلون بحكم القرآن وإن لم يكونوا مستمسكين به كما أن من انتحل النصرانية أو اليهودية فحكمه حكمهم وإن لم يكن مستمسكا بسائر شرائعهم وقال تعالى وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ وقال محمد في الزيادات لو أن رجلا دخل في بعض الأهواء التي يكفر أهلها كان في وصاياه بمنزلة المسلمين يجوز منها ما يجوز من وصايا المسلمين ويبطل منها ما يبطل من وصاياهم وهذا يدل على موافقة المذهب الذي يذهب إليه أبو الحسن في بعض الوجوه ومن الناس من يجعلهم بمنزلة المنافقين الذين كانوا في زمن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فأقروا على نفاقهم مع علم اللّه تعالى بكفرهم ونفاقهم ومن الناس من يجعلهم كأهل الذمة ومن أبى ذلك ففرق بينهما بأن المنافقين لو وقفنا على نفاقهم لم نقرهم عليه ولم نقبل