أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٢، ص : ٣٣٢
باللّه واليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه ولا يحل لامرئ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه
وهذا محمول على الحال التي يكون فيها مستغنيا عنه فأما إذا احتاج إليه فلا بأس به عند الفقهاء وقد روى عن البراء بن مالك أنه ضرب رجلا من المشركين يوم اليمامة فوقع على قفاه فأخذ سيفه وقتله به
قوله تعالى وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قال السدى وابن جريج في قوله أَوِ ادْفَعُوا إن معناه بتكثير سوادنا إن لم تقاتلوا معنا وقال أبو عون الأنصارى معناه ورابطوا بالقيام على الخيل إن لم تقاتلوا قال أبو بكر وفي هذا دلالة على أن فرض الحضور لازم لمن كان في حضوره نفع في تكثير السواد والدفع وفي القيام على الخيل إذا احتيج إليهم وقوله تعالى يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قيل فيه وجهان أحدهما تأكيد لكون القول منهم إذ قد يضاف الفعل إلى غير فاعله إذا كان راضيا به على وجه المجاز كما قال تعالى وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وإنما قتل غيرهم ورضوا به وقوله تعالى فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ ونحو ذلك والثاني أنه فرق بذكر الأفواه بين قول اللسان وقول الكتاب وقوله تعالى وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ زعم قوم أن المراد أنهم يكونون أحياء في الجنة قالوا لأنه لو جاز أن ترد عليهم أرواحهم بعد الموت لجاز القول بالرجعة ومذهب أهل التناسخ قال أبو بكر وقال الجمهور إن اللّه تعالى يحييهم بعد الموت فينيلهم من النعيم بقدر استحقاقهم إلى أن يفنيهم اللّه تعالى عند فناء الخلق ثم يعيدهم في الآخرة ويدخلهم الجنة لأنه أخبر أنهم أحياء وذلك يقتضى أنهم أحياء في هذا الوقت ولأن تأويل من تأوله على أنهم أحياء في الجنة يؤدى إلى إبطال فائدته لأن أحدا من المسلمين لا يشك أنهم سيكونون أحياء مع سائر أهل الجنة إذ الجنة لا يكون فيها ميت ويدل عليه أيضا وصفه تعالى لهم بأنهم فرحون على الحال بقوله تعالى فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ويدل عليه قوله تعالى وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ وهم في الآخرة قد لحقوا بهم وروى ابن عباس وابن مسعود وجابر بن عبد اللّه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال لما أصيب إخوانكم بأحد جعل اللّه أرواحهم في حواصل طيور خضر تحت العرش ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوى إلى قناديل


الصفحة التالية
Icon