أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٢، ص : ٣٤٧
إلى قوله وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ والمعنى في أربعة أيام باليومين المذكورين بديا ثم قال فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ ولولا أن ذلك كذلك لصارت الأيام كلها ثمانية وقد علم أن ذلك ليس كذلك لقوله تعالى خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ فكذلك المثنى داخل في الثلاث والثلاث في الرباع فجميع ما أباحته الآية من العدد أربع لا زيادة عليها وهذا العدد إنما هو للأحرار دون العبيد في
قول أصحابنا والثوري والليث والشافعى. وقال مالك للعبد أن يتزوج أربعا والدليل على أن الآية في الأحرار دون العبيد قوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ إنما هو مختص بالأحرار لأن العبد لا يملك عقد النكاح لاتفاق الفقهاء أنه لا يجوز له أن يتزوج إلا بأذن المولى وأن المولى أملك بالعقد عليه منه بنفسه لأن المولى لو زوجه وهو كاره لجاز عليه ولو تزوج هو بغير إذن المولى لم يجز نكاحه وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر
وقال اللّه تعالى ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ فلما كان العبد لا يملك عقد النكاح لم يكن من أهل الخطاب بالآية فوجب أن تكون الآية في الأحرار وأيضا لا يختلفون أن للرق تأثيرا في نقصان حقوق النكاح المقدرة كالطلاق والعدة فلما كان العدد من حقوق النكاح وجب أن يكون للعبد النصف مما للحر وقد روى عن ستة من الصحابة أن العبد لا يتزوج إلا اثنتين ولا يروى عن أحد من نظرائهم خلافه فيما نعلمه وقد روى سليمان بن يسار عن عبد اللّه بن عتبة قال قال عمر بن الخطاب ينكح العبد اثنتين ويطلق اثنتين وتعتد الأمة حيضتين فإن لم تحض فشهر ونصف وروى الحسن وابن سيرين عن عمر وعبد الرحمن بن عوف أن العبد لا يحل له أكثر من امرأتين وروى جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا قال لا يجوز للعبد أن ينكح فوق اثنتين
وروى حماد عن إبراهيم أن عمر وعبد اللّه قالا لا ينكح العبد أكثر من اثنتين وشعبة عن الحكم عن الفضل بن العباس قال يتزوج العبد اثنتين وابن سيرين قال قال عمر أيكم يعلم ما يحل للعبد من النساء فقال رجل من الأنصار أنا فقال عمر كم قال اثنتين فسكت ومن يشاوره عمر ويرضى بقوله فالظاهر أنه صحابى وروى ليث عن الحكم قال اجتمع أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أن العبد لا يجمع من النساء فوق اثنتين فقد ثبت بإجماع أئمة الصحابة ما ذكرناه ولا نعلم أحدا من نظرائهم قال أنه يتزوج أربعا فمن خالف ذلك كان محجوجا بإجماع الصحابة وقد روى نحو قولنا