أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٢، ص : ٣٦٣
للمسلمين فكذلك الوصي إذا عمل لليتيم جاز له أخذ رزقه بقدر عمله قيل له لا خلاف بين الفقهاء أن الوصي لا يجوز له أخذ شيء من مال اليتيم لأجل عمله إذا كان غنيا وقد حظر ذلك عليه نص التنزيل في قوله تعالى وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ولا خلاف مع ذلك أن القضاة والعمال جائز لهم أخذ أرزاقهم مع الغنى ولو كان ما أخذه ولى اليتيم من ماله يجرى مجرى رزق القضاة والعمال جاز له أن يأخذه في حال الغنى فدل ذلك على أن ولى اليتيم لا يستحق رزقا من ماله ولا خلاف أيضا أن القاضي لا يجوز له أن يأخذ من مال اليتيم شيئا وإليه القيام بأمر الأيتام فثبت بذلك أن سائر الناس ممن لهم الولاية على الأيتام لا يجوز لهم أخذ شيء من أموالهم لا قرضا ولا غيره كما لا يأخذه القاضي فقيرا كان أو غنيا فإن قيل فما الفرق بين رزق القاضي والعامل وبين أخذ ولى اليتيم من ماله مقدار الكفاية وبين أخذ الأجرة قيل له إن الرزق ليس بأجرة لشيء وإنما هو شيء جعله اللّه له ولكل من قام بشيء من أمور المسلمين ألا ترى أن الفقهاء لهم أخذ الأرزاق ولم يعملوا شيئا يجوز أخذ الأجرة عليه لأن اشتغالهم بالفتيا وتفقيه الناس فرض ولا جائز لأحد أخذ الأجرة على الفروض والمقاتلة وذريتها يأخذون الأرزاق وليست بأجرة وكذلك الخلفاء وقد كان للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم سهم من الخمس والفيء وسهم من الغنيمة إذا حضر القتال وغير جائز لأحد أن يقول
أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قد كان يأخذ الأجر على شيء مما يقوم به من أمور الدين وكيف يجوز ذلك مع قول اللّه تعالى قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ- و- قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فثبت بذلك أن الرزق ليس بأجرة ويدلك على هذا أنه قد تجب للفقراء والمساكين والأيتام في بيت المال الحقوق ولا يأخذونها بدلا من شيء فأخذ الأجرة للقاضي ولمن قام بشيء من أمور الدين غير جائز وقد منع القاضي أن يقبل الهدية وسئل عبد اللّه بن مسعود عن قوله تعالى أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ أهو الرشا قال لا ذاك كفر إنما هو هدايا العمال وروى عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال هدايا الأمراء غلول
فالقاضى ممنوع من أخذ الأجرة على شيء من أمر القضاء ومحظور عليه قبول الهدايا وتأولها السلف على أنها السحت المذكور في كتاب اللّه تعالى وولى اليتيم لا يخلو فيما يأخذه من مال اليتيم من أن يأخذه أجرة أو على سبيل رزق القاضي والعامل ومعلوم أن الأجرة إنما تكون على عمل معلوم ومدة معلومة