أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٣، ص : ٣٢٧
على أنهم ليسوا أهل الكتاب قوله تعالى وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا فأخبر تعالى أن أهل الكتاب طائفتان فلو كان المجوس أهل الكتاب لكانوا ثلاث طوائف ألا ترى أن من قال إنما لي على فلان جبتان لم يكن له أن يدعى أكثر منه وقول القائل إنما لقيت اليوم رجلين ينفى أن يكون قد لقى أكثر منهما فإن قيل إنما حكى اللّه ذلك عن المشركين وجائز أن يكونوا قد غلطوا قيل له إن اللّه لم يحك هذا القول عن المشركين ولكنه قطع بذلك عذرهم لئلا يقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين فهذا إنما هو قول اللّه واحتجاج منه على المشركين في قطع عذرهم بالقرآن وأيضا فإن المجوس لا ينتحلون شيئا من كتب اللّه المنزلة على أنبيائه وإنما يقرؤن كتاب زرادشت وكان متنبيا كذابا فليسوا إذا أهل كتاب ويدل عل أنهم ليسوا أهل كتاب حديث يحيى ابن سعيد عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قال عمر ما أدرى كيف أصنع بالمجوس وليسوا أهل كتاب
فقال عبد الرحمن بن عوف سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب
فصرح عمر بأنهم ليسوا أهل كتاب ولم يخالفه عبد الرحمن ولا غيره من الصحابة وروى عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال سنوا بهم سنة أهل الكتاب
فلو كانوا أهل الكتاب لما قال سنوا بهم سنة أهل الكتاب ولقال هم من أهل الكتاب وفي حديث آخر أنه أخذ الجزية من مجوس هجر وقال سنوا بهم سنة أهل الكتاب
فإن قيل إن لم يكونوا أهل كتاب فقد جعل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حكمهم حكم أهل الكتاب
بقوله سنوا بهم سنة أهل الكتاب
قيل له إنما قال ذلك في الجزية خاصة وقد روى ذلك في غير هذا الخبر وروى سفيان عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد قال كتب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلى مجوس هجر يدعوهم إلى الإسلام قال فإن أسلمتم فلكم مالنا وعليكم ما علينا
ومن أبى فعليه الجزية غير أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم وقد روى النهى عن صيد المجوس عن على وعبد اللّه وجابر بن عبد اللّه والحسن وسعيد بن المسيب وأبى رافع وعكرمة وهذا يوجب أن لا يكونوا عندهم أهل كتاب ويدل على أنهم ليسوا أهل كتاب
أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كتب إلى صاحب الروم يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم
وكتب إلى كسرى ولم ينسبه إلى كتاب
وروى في قوله تعالى الم غُلِبَتِ الرُّومُ أن المسلمين أحبوا غلبة الروم لأنهم أهل كتاب


الصفحة التالية
Icon