أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٤، ص : ٢٢٤
أنه لم يتقدم من النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم قول في الغنائم قبل القتال فلما فرغوا من القتال تنازعوا في الغنائم فأنزل اللَّه تعالى يسئلونك عن الأنفال فجعل أمرها إلى النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم في أن يجعلها لما شاء فقسمها بينهم بالسواء ثم نسخ ذلك بقوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه على ما روى عن ابن عباس ومجاهد فجعل الخمس لأهله المسلمين في الكتاب والأربعة الأخماس للغانمين وبين النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم سهم الفارس والراجل وبقي حكم النفل قبل إحراز الغنيمة بأن يقول من قتل قتيلا فله سلبه ومن أصاب شيئا فهو له ومن الخمس وما شذ من المشركين من غير قتال فكل ذلك كان نفلا للنبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم يجعله لمن يشاء وإنما وقع النسخ في النفل بعد إحراز الغنيمة من الخمس ويدل على أن قسمة غنائم بدر إنما كانت على الوجه الذي جعله النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم قسمتها لا على قسمتها الآن
أن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم قسمها بينهم بالسواء ولم يخرج منها الخمس
ولو كانت مقسومة قسمة الغنائم التي استقر عليها الحكم لعزل الخمس لأهله ولفضل الفارس على الراجل وقد كان في الجيش فرسان أحدهما للنبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم والآخر للمقداد فلما قسم الجميع بينهم بالسوية علمنا أن قوله تعالى قل الأنفال لله والرسول قد اقتضى تفويض أمرها إليه ليعطيها من يرى ثم نسخ النفل بعد إحراز الغنيمة وبقي ما حكمه قبل إحرازها على جهة تحريض الجيش والتضرية على العدو وما لم يوجف عليه المسلمون وما لا يحتمل القسم ومن الخمس على ما شاء ويدل على أن غلط الرواية في
أن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم قال يوم بدر من أصاب شيئا فهو له وأنه نفل القاتل وغيره
ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا هناد بن السرى عن أبى بكر عن عاصم عن مصعب بن سعد عن أبيه قال جئت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم يوم بدر بسيف فقلت يا رسول اللَّه إن اللَّه قد شفى صدري اليوم من العدو فهب لي هذا السيف فقال إن هذا السيف ليس لي ولا لك فذهبت وأنا أقول يعطاه اليوم من لم يبل بلاي فبينا أنا إذ جاءني الرسول فقال أجب فظننت أنه نزل في شيء بكلامي فجئت فقال لي النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم إنك سألتنى هذا السيف وليس هو لي ولا لك وإن اللَّه قد جعله اللَّه لي فهو لك ثم قرأ يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول
فأخبر النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم أنه لم يكن له ولا لسعد قبل نزول سورة الأنفال وأخبر أنه لما جعله اللَّه له آثره به وفي ذلك دليل على فساد رواية من روى أن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم نفلهم قبل القتال وقال من أخذ شيئا فهو له وقوله تعالى وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم