أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٤، ص : ٢٢٧
ذلك في قوله تعالى ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين فهذا كان حكمهم إذا كانوا مع النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم قل عدد العدو أو كثر إذا لم يجد اللَّه فيه شيئا وقال اللَّه تعالى في آية أخرى يا أيها النبى حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا هذا واللَّه أعلم في الحال التي لم يكن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم حاضرا معهم فكان على العشرين أن يقاتلوا المائتين ولا يهربوا عنهم فإذا كان عدد العدو أكثر من ذلك أباح لهم التحيز إلى فئة من المسلمين فيهم نصرة لمعاودة القتال ثم نسخ ذلك بقوله تعالى الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله فروى عن ابن عباس أنه قال كتب عليكم أن لا يفر واحد من عشرة ثم قلت الآن خفف الله عنكم وعلم ان فيكم ضعفا الآية فكتب عليكم أن لا يفر مائة من مائتين وقال ابن عباس وإن فر رجل من رجلين فقد فر وإن فر من ثلاثة فلم يفر قال الشيخ يعنب بقوله فقد فر الفرار من الزحف المراد بالآية والذي في الآية إيجاب فرض القتال على الواحد لرجلين من الكفار فإن زاد عدد الكفار على اثنين فجائز حينئذ للواحد التحيز إلى فئة من المسلمين فيها نصرة فأما إن أراد الفرار ليلحق بقوم من المسلمين لا نصرة معهم فهو من أهل الوعيد المذكور في قوله تعالى ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ولذلك
قال النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم أنا فئة كل مسلم
وقال عمر بن الخطاب لما بلغه أن أبا عبيد بن مسعود استقتل يوم الجيش حتى قتل ولم ينهزم رحم اللَّه أبا عبيد لو انحاز إلى لكنت له فئة فلما رجع إليه أصحاب أبى عبيد قال أنا فئة لكم ولم يعنفهم وهذا الحكم عندنا ثابت ما لم يبلغ عدد جيش المسلمين اثنى عشر ألفا لا يجوز لهم أن ينهزموا عن مثليهم إلا متحرفين لقتال وهو أن يصيروا من موضع إلى غيره مكايدين لعدوهم من نحو خروج من مضيق إلى فسحة أو من سعة إلى مضيق أو يمكنوا لعدوهم ونحو ذلك مما لا يكون فيه انصراف عن الحرب أو متحيزين إلى فئة من المسلمين يقاتلونهم معهم فإذا بلغوا اثنى عشر ألفا فإن محمد بن الحسن ذكر أن الجيش إذا بلغوا كذلك فليس لهم أن يفروا من عدوهم وإن كثر عددهم ولم يذكر خلافا بين أصحابنا فيه واحتج
بحديث الزهري عن