أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٤، ص : ٢٣١
ذكر الخلاف فيه
قال أصحابنا والثوري لا نفل بعد إحراز الغنيمة إنما النفل أن يقول من قتل قتيلا فله سلبه ومن أصاب شيئا فهو له وقال الأوزاعى في رسول اللَّه أسوة حسنة كان ينفل في البدأ الربع وفي الرجعة الثلث وقال مالك والشافعى يجوز أن ينفل بعد إحراز الغنيمة على وجه الاجتهاد قال الشيخ ولا خلاف في جواز النفل قبل إحراز الغنيمة نحو أن يقول من أخذ شيئا فهو له ومن قتل قتيلا فله سلبه وقد روى حبيب بن مسلمة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم نفل في بدأته الربع وفي رجعته الثلث بعد الخمس
فأما التنفيل في البدأة فقد ذكرنا اتفاق الفقهاء عليه وأما قوله في الرجعة الثلث فإنه يحتمل وجهين أحدهما ما يصيب السرية في الرجعة بأن يقول لهم ما أصبتم من شيء فلكم الثلث بعد الخمس ومعلوم أن ذلك بلفظ عموم في سائر الغنائم وإنما هي حكاية فعل النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم في شيء بعينه لم يبين كيفيته وجائز أن يكون معناه ما ذكرناه من قوله للسرية في الرجعة وجعل لهم في الرجعة أكثر مما جعله في البدأة لأن في الرجعة يحتاج إلى حفظ الغنائم وإحرازها ويكون من حواليهم الكفار متأهبين مستعدين للقتال لانتشار الخبر بوقوع الجيش إلى أرضهم والوجه الآخر أنه جائز أن يكون ذلك بعد إحراز الغنيمة وكان ذلك في الوقت الذي كانت الغنيمة كلها للنبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم فجعلها لمن شاء منهم وذلك منسوخ بما ذكرنا فإن قيل ذكر في حديث حبيب بن مسلمة الثلث بعد الخمس فهذا يدل على أن ذلك كان بعد قوله واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه قيل له دلالة فيه على ما ذكرت لأنه لم يذكر أنه الخمس المستحق لأهله من جملة الغنيمة بقوله تعالى فأن لله خمسه وجائز أن يكون على خمس من الغنيمة لا فرق بينه وبين الثلث والنصف ولما احتمل حديث حبيب بن مسلمة ما وصفنا لم يجز الاعتراض به على ظاهر قوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه المذكورين فمتى أحرزت الغنيمة فقد ثبت حق الجميع فيها بظاهر الآية فغير جائز أن يجعل شيء منها لغيره على غير مقتضى الآية إلا بما يجوز بمثله تخصيص الآية وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن عبيد اللَّه قال حدثني نافع عن عبد اللَّه بن عمر قال بعثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم في سرية فبلغت سهامنا اثنى


الصفحة التالية
Icon