أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٤، ص : ٢٨٠
إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم والآية نزلت في السنة التي حج فيها أبو بكر وهي سنة تسع فأنزلهم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في المسجد وأخبر أن كونهم أنجاسا لا يمنع دخولهم المسجد
وفي ذلك دلالة على أن نجاسة الكفر لا يمنع الكافر من دخول المسجد وأما أبو سفيان بأنه جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لتجديد الهدنة وذلك قبل الفتح وكان أبو سفيان مشركا حينئذ والآية وإن كان نزولها بعد ذلك فإنما اقتضت النهى عن قرب المسجد الحرام ولم تقتض المنع من دخول الكفار سائر المساجد فإن قيل لا يجوز للكافر دخول الحرم إلا أن يكون عبدا أو صبيا أو نحو ذلك لقوله تعالى فلا يقربوا المسجد الحرام ولما
روى زيد بن يثيع عن على رضى اللّه عنه أنه نادى بأمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لا يدخل الحرم مشرك
قيل له إن صح هذا اللفظ فالمراد أن لا يدخله للحج وقد روى في أخبار عن على أنه نادى أن لا يحج بعد العام مشرك
وكذلك في حديث أبى هريرة فثبت أن المراد دخول الحرم للحج وقد روى شريك عن أشعث عن الحسن عن جابر بن عبد اللّه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال لا يقرب المشركون المسجد الحرام بعد عامهم هذا إلا أن يكون عبدا أو أمة يدخله لحاجة
فأباح دخول العبد والأمة للحاجة لا للحج وهذا يدل على أن الحر الذمي له دخوله لحاجة إذ لم يفرق أحد بين العبد والحر وإنما خص العبد والأمة واللّه أعلم بالذكر لأنهما لا يدخلانه في الأغلب الأعم للحج وقد حدثنا عبد اللّه بن محمد بن إسحاق المروزى قال حدثنا الحسن بن أبى الربيع الجرجانى قال أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللّه يقول في قوله تعالى إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام إلا أن يكون عبدا أو واحدا من أهل الذمة فوقفه أبو الزبير على جابر وجائز أن يكون صحيحين فيكون جابر قد رفعه تارة وأفتى بها اخرى وروى ابن جريج عن عطاء قال لا يدخل المشرك وتلا قوله تعالى فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا قال عطاء المسجد الحرام الحرم كله قال ابن جريج وقال لي عمرو بن دينار مثل ذلك قال أبو بكر والحرم كله يعبر عنه بالمسجد إذ كانت حرمته متعلقة بالمسجد وقال اللّه تعالى والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد والحرم كله مراد به وكذلك قوله تعالى ثم محلها إلى البيت العتيق قد أريد به الحرم كله لأنه في أى الحرم نحر البدن أجزأه فجائز على هذا أن يكون المراد بقوله تعالى فلا يقربوا المسجد الحرام الحرم كله للحج إذ