أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٤، ص : ٣٠٨
معنى قوله فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم متضمنة لرفع العهود والذمم التي كانت بين النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم وبين المشركين وفيها زيادة معنى وهو الأمر بأن نكون مجتمعين في حال قتالنا إياهم
قوله تعالى إنما النسىء زيادة في الكفر فالنسىء التأخير ومنه البيع بنسيئة وأنسات البيع أخرته وما ننسخ من آية أو ننسها أى نؤخرها ونسئت المرأة إذا حبلت لتأخر حيضها ونسأت الناقة إذ دفعتها في السير لأنك زجرتها عن التأخر والمنسأة العصا في هذا الموضع ما كانت العرب تفعله من تأخير الشهور فكان يقع الحج في غير وقته واعتقاد حرمة الشهور في غير زمانه فقال ابن عباس كانوا يجعلون المحرم صفرا وقال ابن أبى نجيح وغيره كانت قريش تدخل في كل ستة أشهر أياما يوافقون ذا الحجة في كل ثلاث عشر سنة فوفق اللَّه تعالى لرسوله في حجته استدارة زمانهم كهيئته يوم خلق اللَّه السموات والأرض فاستقام الإسلام على عدد الشهور ووقف الحج على ذي الحجة وقال ابن إسحاق كان ملك من العرب يقال له القلمس واسمه حذيفة أول من أنسأ النسيء أنسأ المحرم فكان يحله عاما ويحرمه عاما فكان إذا حرمه كانت ثلاث حرمات متواليات وهي العدة التي حرم اللَّه في عهد إبراهيم صلوات اللَّه عليه فإذا أحله دخل مكانه صفر في المحرم لتواطئ العدة يقول قد أكملت الأربعة كما كانت لأنى لم أحل شهرا إلا قد حرمت مكانه شهرا فحج النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم وقد عاد المحرم إلى ما كان عليه في الأصل فأنزل اللَّه تعالى إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فأخبر اللَّه أن النسيء الذي كانوا يفعلونه كفر لأن الزيادة في الكفر لا تكون إلا كفرا لاستحلالهم ما حرم اللَّه وتحريمهم ما أحل اللَّه فكان القوم كفارا باعتقادهم الشرك ثم ازدادوا كفرا بالنسيء.

باب فرض النفير والجهاد


قال اللَّه تعالى يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض- إلى قوله- إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم اقتضى ظاهر الآية وجوب النفير على من يستنفر وقال في آية بعدها انفروا خفافا وثقالا فأوجب النفير مطلقا غير مقيد بشرط الاستنفار فاقتضى ظاهره وجوب الجهاد على كل مستطيع له وحدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد


الصفحة التالية
Icon