أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٤، ص : ٣٩٨
دم الاستحاضة أنه دم عرق
غير مانع أن يكون بعض ما يخرج من الرحم من الدم قد يكون دم الاستحاضة
لأنه صلّى اللّه عليه وسلّم قال إنما هو دم عرق انقطع أوداء عرض
فأخبر أن دمالاستحاضة قد يكون من داء عرض وإن لم يكن من عرق وأيضا فما الذي يحيل أن يكون دم العرق خارجا من الرحم بأن ينقطع العرق فيسيل الدم إليها ثم يخرج فلا يكون حيضا ولا نفاسا ثم
قال فلا يقال إن الحامل لا تحيض إلا بخبر عن اللّه أو عن رسوله لأنه حكاية عن غيب
ونسى أن قضيته توجب أن
لا يقال أنها تحيض إلا بخبر عن اللّه وعن الرسول لأنه حكاية عن غيب
على حسب موضوعه وقاعدته بل قد يسوغ لمن نفى الحيض عن الحامل ما لا يسوغ لمن أثبته لأنا قد علمنا أنها كانت غير حائض فإذا رأت الدم واختلفوا أنه حيض أو غير حيض وفي إثبات الحيض إثبات أحكام فغير جائز إثباته حيضا إلا بتوقيف وواجب أن تكون باقية على ما كانت عليه من عدم الحيض حتى يثبت الحيض بتوقيف أو اتفاق إذ كان في إثبات الدم حيضا إثبات حكم لا سبيل إلى علمه إلا من طريق التوقيف وأيضا فإن قولنا حيض هو حكم الدم خارج من الرحم وقد يوجد الدم خارجا من الرحم على هيئة واحدة فيحكم لما رأته في أيامها بحكم الحيض ولما رأته في غير أيامها بحكم الاستحاضة وكذلك النفاس فإذا كان الحيض ليس بأكثر من إثبات أحكام الدم يوجد في أوقات ولم يكن الحيض عبارة عن الدم فحسب دون ما يتعلق به من الحكم وإثبات الحكم بخروج دم لا يعلم إلا من طريق التوقيف فلم يجز أن يجعل هذا الحكم ثابتا لدم الحامل إذ لم يرد به توقيف ولا حصل عليه اتفاق ثم قال إسماعيل عطفا على
قوله لا يقال إن الحامل لا تحيض إلا بخبر عن اللّه أو عن رسوله لأنه حكاية عن غيب
ولا يلزم ذلك من قال أنها تحيض لأن اللّه تعالى قد قال ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض فلما قيل النساء لزم في ذلك العموم لأن الدم إذا خرج من فرجها فالحيض أولى به حتى يعلم غيره قال أبو بكر قوله ويسئلونك عن المحيض ليس فيه بيان صفة الحيض بمعنى يتميز به عن غيره وقوله تعالى قل هو أذى إنما هو إخبار عما يتعلق بالمحيض من ترك الصلاة والصوم واجتناب الرجل جماعها وإخبار عن نجاسة دم الحيض ولزوم اجتنابه ولا دلالة فيه على وجوده في حال الحمل وعدمه وقوله لما قيل النساء لزم في ذلك العموم لا معنى له لأنه قال فاعتزلوا النساء في المحيض