أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ١٣٣
يعيرها ومن شأن إقامة الحد أن يكون بحضرة الناس ليكون أبلغ في الزجر والتنكيل فلما
قال ولا يثرب عليها
دل ذلك أنه أراد التعزير لا الحد ويدل عليه
قوله صلّى اللّه عليه وسلّم في الرابعة فليبعها ولو بضفير
ولم يأمر بجلدها ولو كان ذلك حدا لذكره وأمر به كما أمر به الأول والثاني والثالث لأنه لا يجوز تعطيل الحدود بعد ثبوتها عند من يقيمها وقد يجوز ترك التعزير على حسب ما يرى الإمام فيه من المصلحة فإن قيل التعزير لوجب أن يكون لو عزرها المولى ثم رفع إلى الإمام بعد التعزير أن يقيم عليها الحد لأن التعزير لا يسقط الحد فيكون قد اجتمع عليها الحد والتعزير قيل له لا ينبغي لمولاها أن يرفعها إلى الإمام بعد ذلك بل هو مأمور بالستر عليها
لقول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لهزال حين أشار على ما عز بالإقرار بالزنا لو سترته بثوبك كان خيرا لك
وقال صلّى اللّه عليه وسلّم من أتى شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر اللّه فإن أبدى لنا صفحته أقمنا عليه كتاب اللّه
وأيضا فليس يمتنع اجتماع الحد والتعزير وقد يجب النفي عندنا مع الجلد على وجه التعزير وروى أن النجاشيّ الشاعر شرب الخمر في رمضان فضربه على كرم اللّه وجهه ثمانين وقال هذا لشربك الخمر ثم جلده عشرين وقال هذا لإفطارك في رمضان
فجمع عليه الحد والتعزير فلما كان ذلك جائزا لم يمتنع لو رفعت هذه الأمة بعد تعزير المولى إلى الإمام أن يحدها حد الزنا.

باب اللعان


قال اللّه عز وجل وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ
إلى آخر القصة قال أبو بكر كان حد قاذف الأجنبيات والزوجات الجلد والدليل عليه
قوله صلّى اللّه عليه وسلّم لهلال بن أمية حين قذف امرأته بشريك بن سحماء ائتني بأربعة يشهدون وإلا فحد في ظهرك
وقال الأنصار أيجلد هلال بن أمية وتبطل شهادته في المسلمين فثبت بذلك أن حد قاذف الزوجات كان كحد قاذف الأجنبيات وأنه نسخ عن الأزواج الجلد باللعان لأن
النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال لهلال بن أمية حين نزلت آية اللعان ائتني بصاحبتك فقد أنزل اللّه فيك وفيها قرآنا ولاعن بينهما
وروى نحو ذلك في حديث عبد اللّه بن مسعود في الرجل الذي قال أرأيتم لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فإن تكلم جلدتموه وإن قتل قتلتموه وإن سكت سكت على غيظ
فدلت هذه الأخبار على أن حد قاذف الزوجة كان الجلد وإن اللّه تعالى نسخه باللعان ومن أجل ذلك قال أصحابنا إن الزوج


الصفحة التالية
Icon