أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ١٩
ابن عجلان من لم يكن فيه ثلاث خلال لم يدخل الجنة نية صحيحة وإيمان صادق وعمل مصيب قال فقلت عمن هذا فقال عن كتاب اللّه قال اللّه تعالى وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فعلق الآخرة في استحقاق الثواب له بأوصاف ولم يستثن في المقصود شيئا ولم يخصص إرادة العاجلة بوصف بل أطلقها واستثنى في العطية والمعطى ما قدمنا
قوله تعالى كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ قد تقدم ذكر مريد العاجلة والساعى للآخرة وحكم ما يناله كل واحد منهما بقصده وإرادته ثم أخبر أن نعمه جل وعلا مبسوطة على البر والفاجر في الدنيا وإنها خاصة للمتقين في الآخرة ألا ترى أن سائر نعم اللّه تعالى من الشمس والقمر والسماء والأرض بما فيها من المنافع والهواء والماء والنبات والحيوانات المأكولة والأغذية والأدوية وصحة الجسم والعافية إلا مالا يحصى من النعم شاملة للبر والفاجر واللّه الموفق.
باب بر الوالدين
قال اللّه تعالى وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وقضى ربك معناه أمر ربك وأمر بالوالدين إحسانا وقيل معناه وأوصى بالوالدين إحسانا والمعنى واحد لأن الوصية أمر وقد أوصى اللّه تعالى ببر الوالدين والإحسان إليهما في غير موضع من كتابه وقال وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً وقال أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً فأمر بمصاحبة الوالدين المشركين بالمعروف مع النهى عن طاعتهما في الشرك لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وروى عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إن من الكبائر عقوق الوالدين
قوله تعالى إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما قيل فيه إن بلغت حال الكبر وهو حال التكليف وقد بقي معك أبواك أو أحدهما فلا تقل لهما أف وذكر ليث عن مجاهد قال لا تقل لهما إذا بلغا من الكبر ما كان يليا منك في الصغر فلا تقل لهما أف قال أبو بكر اللفظ محتمل للمعنيين فهو عليهما ولا محالة أن بلوغ الولد شرط في الأمر إذ لا يصح تكليف غير البالغ فإذا بلغ حال التكليف وقد بلغا هما حال الكبر والضعف إذ لم يبلغا فعليه الإحسان إليهما وهو مزجور أن يقول لهما أف وهي كلمة تدل على الضجر والتبرم بمن يخاطب بها قوله تعالى وَلا تَنْهَرْهُما معناه لا تزجر هما على وجه الاستخفاف