أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٢٠٠
مراده أن يأكلوا جميعا طعاما بينهم وهي المناهدة التي يفعلها الناس في الأسفار وقوله تعالى فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً روى معمر عن الحسن فسلموا على أنفسكم يسلم بعضكم على بعض كقوله تعالى وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ وروى معمر عن عمرو ابن دينار عن ابن عباس قال هو المسجد إذا دخلته فقل السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين وقال نافع عن ابن عمر أنه كان إذا دخل بيتا ليس فيه أحد قال السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين وإذا كان فيه أحد قال السلام عليكم وإذا دخل المسجد قال بسم اللّه السلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقال الزهري فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك فهم أحق من سلمت عليه وإذا دخلت بيتا لا أحد فيه فقل السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين فإنه كان يأمر بذلك حدثنا أن الملائكة ترد عليه قال أبو بكر لما كان اللفظ محتملا لسائر الوجوه تأوله السلف عليها وجب أن يكون الجميع مرادا بعموم اللفظ وقوله تعالى تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً يعنى إن السلام تحية من اللّه لأن اللّه أمر به وهي مباركة طيبة لأنه دعاء بالسلام فيبقى أثره ومنفعته وفيه الدلالة على أن قوله وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها قد أريد به السلام وقوله تعالى وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ قال الحسن وسعيد بن جبير في الجهاد وقال عطاء في كل أمر جامع وقال مكحول في الجمعة والقتال وقال الزهري الجمعة وقال قتادة كل أمر هو طاعة للّه قال أبو بكر هو في جميع ذلك لعموم اللفظ وقال سعيد عن قتادة إِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ الآية قال كان اللّه أنزل قبل ذلك في سورة براءة عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ فرخص له في هذه السورة فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ فنسخت هذه الآية التي في سورة براءة وقد قيل إنه لا معنى للاستئذان للمحدث في الجمعة لأنه لا وجه لمقامه ولا يجوز للإمام منعه فلا معنى للاستئذان فيه وإنما هو فيما يحتاج الإمام فيه إلى معونتهم في القتال أو الرأى وقوله تعالى لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً روى عن ابن عباس قال يعنى احذروا إذا أسخطتموه دعاءه عليكم فإن دعاءه مجاب ليس كدعاء غيره وقال مجاهد وقتادة ادعوه بالخضوع والتعظيم نحو يا رسول اللّه يا نبي اللّه ولا تقولوا يا محمد كما يقول بعضكم لبعض قال أبو بكر هو على الأمرين جميعا لاحتمال اللفظ لهما وقوله تعالى قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً يعنى به المنافقين الذين كانوا