أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٢١٩
الحمل ستة أشهر وبه استدل ابن عباس على مدة أقل الحمل واتفق أهل العلم عليه وقوله تعالى يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ يعنى واللّه أعلم اصبر على ما أصابك من الناس في الأمر بالمعروف وظاهره يقتضى وجوب الصبر وإن خاف على النفس إلا أن اللّه تعالى قد أباح إعطاء التقية في حال الخوف في آي غيرها قد بيناها وقد اقتضت الآية وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
قوله تعالى وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ قال ابن عباس ومجاهد معناه لا تعرض بوجهك عن الناس تكبرا وقال إبراهيم هو التشدق ومعناه يرجع إلى الأول لأن المتشدق في الكلام متكبر وقيل إن أصل الصعر داء يأخذ الإبل في أعناقها ورؤسها حتى يلوى وجوهها وأعناقها فيشبه بها الرجل الذي يلوى عنقه عن الناس قال الشاعر :
وكنا إذا الجبار صعر خده أقمنا له من ميله فتقوما
قوله تعالى وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ إلى قوله وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً أبان تعالى بذلك أن أمره بالإحسان إلى الوالدين عام في الوالدين المسلمين والكفار لقوله تعالى وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ وأكده بقوله وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وفي ذلك دليل على أنه لا يستحق القود على أبيه وأنه لا يحد له إذا قذفه ولا يحبس له بدين عليه وأن عليه نفقتهما إذا احتاجا إليه إذ كان جميع ذلك من الصحبة بالمعروف وفعل ضده ينافي مصاحبتهما بالمعروف ولذلك قال أصحابنا إن الأب لا يحبس بدين ابنه وروى عن أبى يوسف أنه يحبسه إذا كان متمردا وقوله تعالى وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ يدل على صحة إجماع المسلمين لأمر اللّه تعالى إيانا باتباعهم وهو مثل قوله وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وقوله تعالى وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً المرح البطر وإعجاب المرء بنفسه وازدراء الناس والاستهانة بهم فنهى اللّه عنه إذ لا يفعل ذلك إلا جاهل بنفسه وأحواله وابتداء أمره ومنتهاه قال الحسن أنى لابن آدم الكبر وقد خرج من سبيل البول مرتين وقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ قال مجاهد هو المتكبر والفخور الذي يفتخر بنعم اللّه تعالى على الناس استصغارا لهم وذلك مذموم لأنه إنما يستحق عليه الشكر للّه على نعمه لا التوصل بها إلى معاصيه وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حين ذكر نعم اللّه أنه سيد ولد آدم ولا


الصفحة التالية
Icon