أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٢٣١
فأراد أن يضمها إليه صلة لرحمها وإشفاقا عليها فعاتبه اللّه على إضمار ذلك وإخفائه وقوله لزيد اتق اللّه أمسك عليك زوجك وأراد أن يكون باطنه وظاهره عند الناس سواء كما قال في قصة عبد اللّه بن سعد حين قيل له هلا اومأت إلينا بقتله فقال ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين وأيضا فإن ذلك لم يكن مما يجب إخفاءه لأنه مباح جائز واللّه تعالى عالم به وهو أحق بأن يخشى من الناس وقد أباحه اللّه تعالى فالناس أولى بأن لا يخشوا في إظهاره وإعلانه وهذه القصة نزلت في زيد بن حارثة وكان ممن أنعم اللّه عليه بالإسلام وأنعم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عليه بالعتق ولذلك قيل للمعتق مولى نعمه وقوله تعالى فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ الآية قد حوت هذه الآية أحكاما أحدها الإبانة عن علة الحكم في إباحة ذلك للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم وإن ذلك قد اقتضى إباحته للمؤمنين فدل على إثبات القياس في الأحكام واعتبار المعاني في إيجابها والثاني أن النبوة من جهة التبني لا تمنع جواز النكاح والثالث أن الأمة مساوية للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم في الحكم إلا ما خصه اللّه تعالى به لأنه أخبر أنه أحل ذلك للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم ليكون المؤمنون مساوين له
قوله عز وجل هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ فإن الصلاة من اللّه هي الرحمة ومن العباد الدعاء قال الأعشى :
عليك مثل الذي صليت فاغتمضى نوما فإن لجنب المرء مضطجعا
وروى معمر عن الحسن في قوله تعالى هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ قال إن بنى إسرائيل سألوا موسى عليه السلام هل يصلى ربك فكان ذلك كبر في صدره فسأله فأوحى اللّه إليه أن أخبرهم أنى أصلى وإن صلاتي رحمتي سبقت غضبى فإن قيل من أصلكم إنه لا يجوز أن يراد باللفظ الواحد معنيان مختلفان وقد جاء في القرآن اشتمال لفظ الصلاة على معنى الرحمة والدعاء جميعا قيل له هذا يجوز عندنا في الألفاظ المجملة والصلاة اسم مجمل مفتقر إلى البيان فلا يمتنع إرادة المعاني المختلفة فيما كان هذا سبيله
قال قتادة في قوله وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا صلاة الضحى وصلاة العصر وقوله تعالى وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً سمى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم سراجا منيرا تشبيها له بالسراج الذي به يستنار الأشياء في الظلمة لأنه بعث صلّى اللّه عليه وسلّم وقد طبقت على الأرض ظلمة الشرك فكان كالسراج الذي يظهر في الظلمة وكما سمى القرآن نورا وهدى وروحا وسمى جبريل عليه السلام روحا لأن


الصفحة التالية
Icon