أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٢٧١
إسلام الأسير وذكره في الحديث الأول ولا خلاف أنه لا يفادى الآن على هذا الوجه لأن المسلم لا يرد أهل الحرب وقد كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم شرط في صلح الحديبية لقريش أن من جاء منهم مسلما رده عليهم ثم نسخ ذلك ونهى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عن الإقامة بين أظهر المشركين وقال أنا برىء من كل مسلم مع مشرك
وقال من أقام بين أظهر المشركين فقد برئت منه الذمة
وأما ما في الآية من ذكر المن أو الفداء وما روى في أسارى بدر فإن ذلك منسوخ بقوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ وقد روينا ذلك عن السدى وابن جريج وقوله تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ- إلى قوله تعالى- حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ فتضمنت الآيتان وجوب القتال للكفار حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية والفداء بالمال أو بغيره ينافي ذلك ولم يختلف أهل التفسير ونقلة الآثار أن سورة براءة بعد سورة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم فوجب أن يكون الحكم المذكور فيها ناسخا للفداء المذكور في غيرها قوله تعالى حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها قال الحسن حتى يعبد اللّه ولا يشرك به غيره وقال سعيد بن جبير خروج عيسى بن مريم عليه السلام فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويلقى الذئب الشاة فلا يعرض لها ولا تكون عداوة بين اثنين وقال الفراء آثامها وشركها حتى لا يكون إلا مسلم أو مسالم قال أبو بكر فكان معنى الآية على هذا التأويل إيجاب القتال إلى أن لا يبقى من يقاتل وقوله تعالى فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ روى عن مجاهد لا تضعفوا عن القتال وتدعوا إلى الصلح وحدثنا عبد اللّه بن محمد قال حدثنا الحسن الجرجانى قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ قال لا تكونوا أول الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ قال أنتم أولى باللّه منهم قال أبو بكر فيه الدلالة على امتناع جواز طلب الصلح من المشركين وهو بيان لما أكد فرضه من قتال مشركي العرب حتى يسلموا وقتال أهل الكتاب ومشركي العجم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية والصلح على غير إعطاء الجزية خارج عن مقتضى الآيات الموجبة لما وصفنا فأكد النهى عن الصلح بالنص عليه في هذه الآية وفيه الدلالة على أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لم يدخل مكة صلحا وإنما فتحها عنوة لأن اللّه قد نهاه عن الصلح في هذه الآية وأخبر أن