أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٢٧٧
اليوم الذي يشك فيه فقالت قد نهى عن هذا وتلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ في صيام ولا غيره قال أبو بكر اعتبرت عموم الآية في النهى عن مخالفة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في قول أو فعل وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى لا تعجلوا بالأمر والنهى دونه قال أبو بكر يحتج بهذه الآية في امتناع جواز مخالفة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في تقديم الفروض على أوقاتها وتأخيرها عنها في تركها وقد يحتج بها من يوجب أفعال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لأن في ترك ما فعله تقدما بين يديه كما أن في ترك أمره تقدما بين يديه وليس ذلك كما ظنوا لأن التقدم بين يديه إنما هو فيما أراد منا فعله ففعله غيره فأما ما لم يثبت أنه مراد منه فليس في تركه تقديم بين يديه ويحتج به نفاة القياس أيضا ويدل ذلك على جهل المحتج به لأن ما قامت دلالته فليس في فعله تقدم بين يديه وقد قامت دلالة الكتاب والسنة والإجماع على وجوب القول بالقياس في فروع الشرع فليس فيه إذا تقدم بين يديه
قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ فيه أمر بتعظيم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وتوقيره وهو نظير قوله تعالى لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وروى أنها نزلت في قوم كانوا إذ سئل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عن شيء قالوا فيه قبل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وأيضا لما كان في رفع الصوت على الإنسان في كلامه ضرب من ترك المهابة والجرأة نهى اللّه عنه إذ كنا مأمورين لتعظيمه وتوقيره وتهييبه وقوله تعالى وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ زيادة على رفع الصوت وذلك أنه نهى عن أن تكون مخاطبتنا له كمخاطبة بعضنا لبعض بل على ضرب من التعظيم تخالف به مخاطبات الناس فيما بينهم وهو كقوله لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً وقوله إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وروى أنها نزلت في قوم من بنى تميم أتوا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فنادوه من خارج الحجرة وقالوا اخرج إلينا يا محمد فذمهم اللّه تعالى بذلك وهذه الآيات وإن كانت نازلة في تعظيم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وإيجاب الفرق بينه وبين الأمة فيه فإنه تأديب لنا فيمن يلزمنا تعظيمه من والد وعالم وناسك وقائم بأمر الدين وذي سن وصلاح ونحو ذلك إذ تعظيمه بهذا الضرب من التعظيم في ترك الجهر دفع الصوت عليه وترك عليه والتمييز بينه وبين غيره ممن ليس في مثل حاله وفي النهى عن ندائه من وراء الباب والمخاطبة له بلفظ الأمر لأن اللّه قد ذم هؤلاء القوم بندائهم إياه من وراء الحجرة وبمخاطبته بلفظ الأمر في قولهم اخرج إلينا
حدثنا عبد اللّه بن محمد


الصفحة التالية
Icon