أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٣٠٢
الصامت قالت إن زوجها جعلها عليه كظهر أمه فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ما أراك إلا قد حرمت عليه وهو يومئذ يغسل رأسه فقالت انظر جعلني اللّه فداك يا نبي اللّه قال ما أراك إلا قد حرمت عليه فأعادت ذلك مرارا فأنزل اللّه قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها- إلى قوله- ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا
قال قتادة حرمها ثم يريد أن يعود لها فيطأها فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا قال أبو بكر
قوله صلّى اللّه عليه وسلّم ما أراك إلا قد حرمت عليه
يحتمل أن يريد به تحريم الطلاق على ما كان عليه حكم الظهار ويحتمل أن يريد به تحريم الظهار والأولى أن يكون المراد بجميع الطلاق لأن حكم الظهار مأخوذ من الآية والآية نزلت بعد هذا القول فثبت أن مراده تحريم الطلاق ورفع النكاح وهذا يوجب أن يكون هذا الحكم قد كان ثابتا في الشريعة قبل نزول آية الظهار وإن كان قبل ذلك من حكم أهل الجاهلية فإن قيل إن كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قد حكم فيها بالطلاق بقوله ما أراك إلا قد حرمت فكيف حكم فيها بعينها بالظهار بعد حكمه بالطلاق بذلك القول بعينه في شخص بعينه وإنما النسخ يوجب الحكم في المستقبل بخلاف الأول في الماضي قيل له لم يحكم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بالطلاق وإنما علق القول فيه فقال ما أراك إلا قد حرمت فلم يقطع بالتحريم وجائز أن يكون اللّه تعالى قد أعلمه قبل ذلك أنه سينسخ هذا الحكم وينقله من الطلاق إلى تحريم الظهار الآن فجوز النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن ينزل اللّه الآية فلم يثبت الحكم فيه فلما نزلت الآية حكم فيها بموجبها وقوله تعالى وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً يعنى واللّه أعلم في تشبيهها بظهر الأم لأن الاستمتاع بالأم محرم تحريما مؤبدا وهي لا تحرم عليه بهذا القول تحريما مؤبدا فكان ذلك منكرا من القول وزورا وقوله تعالى الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ وذلك خطاب للمؤمنين يدل على أن الظهار مخصوص به المؤمنون دون أهل الذمة فإن قيل فقد قال اللّه تعالى وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا ولم يخصص المذكورين في الثانية قيل له المذكورون في الآية الثانية هم المذكورون في الآية الأولى فوجب أن يكون خاصا في المسلمين دون غيرهم وأما قوله ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فقد اختلف الناس فيه فروى معمر عن طاوس عن أبيه ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا قال الوطء فإذا
حنث فعليه الكفارة وهذا تأويل مخالف للآية لأنه قال فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا وقد روى سفيان عن ابن أبى نجيح عن طاوس قال إذا تكلم بالظهار لزمه وروى عن ابن عباس


الصفحة التالية
Icon