أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٣١٨
سائر وجوه الفيء لأنها ما أخذ من أموال أهل الحرب عنوة بالقتال فمنها ما يجرى فيه سهام الغانمين بعد إخراج الخمس للّه عز وجل وروى الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب قال كانت أموال بنى النضير فيئا مما أفاء اللّه على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فكانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خاصة وكان ينفق منها على أهله نفقة سنة وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل اللّه
قال أبو بكر فهذا من الفيء الذي جعل الأمر فيه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يكن لأحد فيه حق إلا من جعله له النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فكان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ينفق منها على أهله ويجعل الباقي في الكراع والسلاح وذلك لما بينه اللّه في كتابه وهو أن المسلمين لم يوجفوا عليه بخيل ولا ركاب ولم يأخذوه عنوة وإنما أخذوه صلحا وكذلك كان حكم فدك وقرى عرينة فيما ذكره الزهري وقد كان للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم من الغنيمة الصفي وهو ما كان يصطفيه من جملة الغنيمة قبل أن يقسم المال وكان له أيضا سهم من الخمس فكان للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم من الفيء هذه الحقوق يصرفها في نفقة عياله والباقي في نوائب المسلمين ولم يكن لأحد فيها حق إلا من يختار هو صلّى اللّه عليه وسلّم أن يعطيه وفي هذه الآية دلالة على أن كل مال من أموال أهل الشرك لم يغلب عليه المسلمون عنوة وإنما أخذ صلحا أنه لا يوضع في بيت مال المسلمين ويصرف على الوجوه التي يصرف فيها الخراج والجزية لأنه بمنزلة ما صار للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم من أموال بنى النضير حين لم يوجف المسلمون عليه وقوله تعالى ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ الآية قال أبو بكر بين اللّه حكم ما لم يوجف عليه المسلمون من الفيء فجعله للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم على ما قدمنا من بيانه ثم ذكر حكم الفيء الذي أوجف المسلمون عليه فجعله لهؤلاء الأصناف وهم الأصناف الخمس المذكورون في غيرها وظاهره يقتضى أن لا يكون للغانمين شيء منه إلا من كان منهم من هذه الأصناف وقال قتادة كانت الغنائم في صدر الإسلام لهؤلاء الأصناف ثم نسخ بقوله وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ قال أبو بكر لما فتح عمر رضى اللّه عنه العراق سأله قوم من الصحابة قسمته بين الغانمين منهم الزبير وبلال وغيرهما فقال إن قسمتها بينهم بقي آخر الناس لا شيء لهم واحتج عليهم بهذه الآية إلى قوله وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ وشاور عليا وجماعة من الصحابة في ذلك فأشاروا عليه بترك القسمة وأن يقر أهلها عليها ويضع عليها الخراج ففعل ذلك ووافقته الجماعة عند احتجاجه بالآية وهذا


الصفحة التالية
Icon